بقلم / صالح ابراهيم انجابا
لقد شاع مصطلح الثورة إبان الثورة الفرنسية فى أواخر القرن الثامن عشر التى كانت النواة الأولى فى ترسيخ المفاهيم الثورية وبلورتها حتى هذا اليوم .
مصطلح الثورة أطلق على كل حراك شعبى تتوفر فيه هذه الشروط :ـ
- تغيير جوهرى فعال فى المجا ل الفكرى والسياسى والإجتماعى.
- الأحداث فى الثورة تكون سريعة وفجائية كعاصفة هوجاء تلتهم أركان الظلم وتهشم صميمه .
- دائماً تكون الأهداف نبيلة وذات طابع إنسانى وتحمل فى طياتها الحرية والعدالة والمساواة.
الإنتفاضة هى طريق العبور الى الثورة وقد تحقق بعض المطالب ، لكن فى معظم الأحيان يتم وأدها دون أن تنجز أهدافها ونموذج لذلك إنتفاضة شرق اكلوقوزاى .
الثورات تحدث بين فترات متباعدة وخاصة حين تقفل الأبواب أمام الإصلاحات السياسية وحين تختنق الأمة من جراء الظلم فى النواحى السياسية والإقتصادية والإجتماعية .
عندما تطفح كل هذه العوامل فى السطح تبدأ الشعوب الحرة تتزمجر من آن الى آن حتى يصل الغليان الى ذروته والذى يتمثل فى الإضرابات العمالية والإعتصامات الجماعية ثم المرحلة الأخيرة وهى العصيان المدنى والمطالبة برحيل الطغاة وغالباً ما يصاحب هذا الغليان عنف ودمار.
منطقة الشرق الأوسط مقبلة على عهد جديد وذلك نتيجة للثورة التونيسية المباركة التى اشعلها بوعزيزى من جسده المحترق ليصطلى منها الأحرار وتمتد الى مصر العزيزة قلب العروبة النابض التى سقط دكتاتورها المستبد على أيدى الشباب الذى حقق المعجزات فى زمن الإنكسار والى اليمن والى السودان والأردن الخ....وارتريا كجزء من هذا المحيط العربى سوف تتأثر بالمناخ السائد وسوف تهطل بعض أمطار التغييرات على أرضها التى جدبت من الإنتفاضات والثورات .
كان يطلق على الشعوب العربية ظاهرة صوتية أى شعوب لا تترجم شعار التغييرالى واقع بل تصرخ وترفع صوتها وليست مستعدة للتضحية من أجل الحرية ولكن هذه المقولة قد ذابت فى شعلة الحراك الثورى الجبار الذى دحرنظام زين العابدين ومبارك الى مزبلة التاريخ.
الحرية أغلى ما ينشدها الإنسان و هى الهدف السامى للشعوب التى تكره الذل والعيش تحت مظلة الدكتاتوريات والطغاة .
حريات الشعوب لها ثمن وذلك يكمن فى عدد الضحايا والشهداء الذين يهبون أرواحهم من أجل ذلك الهدف النبيل .على سبيل المثال الشعب الفرنسى دفع 40000 ضحية ما بين 1789م – 1799م إبان الثورة الفرنسية التى أحدثت تغيير فكرى فى آليات الحكم فى اروبا والعالم. الثورة البلشفية كانت ما بين 1918م – 1921 راح ضحيتها حوالى 15 مليون فرد أما الثورة الثقافية الماياوية فى الصين راح ضحيتها حوالى نصف مليون و الثورة المكسيكية ضد النظام الإستبدادى للدكتاتور بورفينو دياز الذى حكم بالحديد والنار ما بين 1910م – 1920م راح ضحيتها أكثر من مليون شخص. وهنالك ثورات عديدة لا يسعنى ذكرها فى هذا المقال.
تطرقت لهذه الثوارات لنستخلص منها العبروالدروس و ثم الإنتقال لنقطة مهمة جداً وهى أين الإنتفاضة أو الثورة الشعبية الإرترية ؟ وماهى التحديات التى تواجهها لكى تزيل النظام الديكتاتورى ؟
فى الحقيقة الإعلام الإرترى (التلفزيون الإرترى) عتم على المتغيرات التى حدثت فى تونس والحراك الجماهيرى فى مصر لم يذكرها فى النشرات العالمية وهذا يدل على أن النظام متهالك وضعيف ويمكن أن يدفن ويزول إذا تحرك الشعب الإرترى من الداخل .
قيام إنتفاضة أو ثورة إرترية تواجه عدة عقبات و تحديات فى محاورمختلفة حيث أن الشعب الإرترى خرج من حرب دامت ثلاثين عاماً ولم يلتقط أنفاسه حتى دخل فى حرب للمرة الثانية مع إثيوبيا .هذه الأحداث المتتالية لها تأثير سيكولوجى مؤثر تجعله يتردد من المغامرة . العصابة الحاكمة نشرت شبكات العيون فى كل مرفق حكومى وشعبى فلذلك غرست هاجس الشك بين المواطنين وحتى بين الأسرة الواحدة.
فى الداخل لا يوجد قيادى وطنى يمكنه قدح زناد الإنتفاضة وهنالك تغييب للنقابات ومنظمات المجتمع المدنى من أداء دورها المنوط وهى مؤسسات شكلية صنعها النظام لتدور فى فلكه.
الدكتاتورأوجد التجنيد الإجبارى غير المحدود الأمد مما أدى الى إفراغ الشباب من المدن والقرى . الظروف القاسية والمعاملة الوحشية وغير الإنسانية فى معسكرات التدريب أدت الى هروب أعداد كبيرة من الشباب الى الدول المجاورة . غالبية الشباب ينقصهم الوعى السياسى والفهم العميق للأحداث والمتغيرات التى تمر بها دول الجوار والمحيط العربى عامة لأنهم ترعرعوا تحت إعلام الهقدف المضلل.
اكبر تحدى وعائق أمام قيام ثورة أو إنتفاضة شعبية هو إنعدام الثقة بين التقرينية وبقية المكونات الإرترية .الغالبية من التقرينية يتشبثون بالدكتاتور الذى قتل وشرد وسجن أبنائهم خوفاً من وصول مسلم الى سدة الحكم وفقد المكاسب التى حققوها فى عهده وبعض منهم يرى أن النظام رغم دكتاتوريته مكنهم من النواحى الإقتصادية والتعلمية .
أما الجانب المسلم تنقصه قيادات متفهمة للمرحلة و تملك الوعى والمهارات التى تطمئن به الجانب الاخر للجلوس حول الطاولة المستديرة لإثراء روح النقاش والحوار البناء لتحديد خطوط التقاطع في المصالح من اجل العيش بسلام وبناء وطن العدالة والمساواة والديمقراطية. الأحزاب الإسلامية والعلمانية المحسوبة على المسلمين تتصرف مع الطرف الآخر برد فعل وتنقصها الرؤية المدروسة والعمل السياسى الواعى والمتطور والهادف . يجب عليهم فهم السيكلوجية التى يبنى عليها الطرف الآخر مخاوفه وتشخيص الخلفيات التى تنفره من المسلمين لإيجاد العلاج الناجع ومن ثم بناء وطن متعافى وسليم .
الرجاء من القيادات الإسلامية أن تتفهم كيف يتحرك الأخوان المسلمين فى مصر حيث نجدهم يسيرون كالسلحفاء لتحقيق أهدافهم بدقة متناهية.ويبحثون عن نقاط التلاقى مع العلمانى واليسارى والناصرى فى ميدان السياسة المصرية دون حواجز وإستطاعوا أن يكسبوا ود الأقباط وأثبتوا للعالم أنهم يستطيعون تسيير الأحداث من خلف الستار وطبخ أمورهم على نار هادئة.
أما فى تونس الخضراء الشيخ الجليل راشد الغنوشى أعلن سوف يتنحى من قيادة حزب النهضة الإسلامى لضخ دماء جديدة حامية تفيض عطاءاً وحيوية وهذا المسلك نتمنى أن يسلكه الحرس القديم فى ميدان السياسة الإرترية.
فى الآونة الأخيرة إستبشرنا خيراً بظهور الشبكة الإرترية للحوار الوطنى التى نحتاج اليها لكى تتحرك وتأتى بالجديد فى فتح قنوات الحوار :-
- الحوار الجاد بين المسيحيين والمسلمين وبين المسلمين فيما بينهم وكذلك المسيحيين فيما بينهم.
- أن تخلق أرضية تنطلق منها لترسيخ مبدأ الإحترام المتبادل بين كل مكونات الشعب الإرترى. الحوار هو القطار الذى تركبه الجماعات المختلفة والجسر الذى يربط بين المتناقضات والسبيل الوحيد للخروج الى بر الأمان.
الرجاء من التنظيمات السياسية أن تتعاون مع الشبكة فى إيجاد وسائل حديثة للحوار .نرجوا من شبكة الحوار أن لا تكون مختزلة فى إطار مؤسيسها والقريبون منهم بل نتمنى أن تكون لها أذرع وآليات عمل ترتكز عليها وتفتح أبوابها لكل الأطياف والفئات الإرترية لتترجم ما تنادى إليه في أرض الواقع وتكون جزء من حياتنا اليوميه.
المسلمون لا يملكون إستراتيجية بعيدة المدى إذ يقارعون الضباب ويتناطحون فى سجالات غير مجدية ويبتدعون آليات حكم لم ترى النور على أرض الواقع وبل يهيمون فى نظريات لا تلامس بيئتنا وواقعنا.. جل همهم الوصول الى كراسى السلطة وسلك طريق معبد بالرياحين للدخول الى اسمرا.
الرسول (ص) حمل لواء ثورة إسلامية ضحى من أجلها المسلمين . هذه الثورة أحدثت تغيير فكرى وسياسى واجتماعى فى البيئة البدوية آنذاك ونقلتهم نقلة نوعية فى كل مجالات الحياة .
عمر بن الخطاب قال (متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) وهذا دليل أن الإسلام ينادى بالحرية التى حق لكل إنسان لكن الحرية لها ثمن باهظ فلذا قال مؤجج الثورة البلشفية "لا يمكنك صنع الثورة بقفاز من حرير" وأيضاً قال الثائر جيفارا" الثورة ليست تفاحة تقع بعد نضوجها بل أنت الذى تجعلها تقع" ذكرت هذه المقولات لكى تعلم المعارضة الإرترية أن الإنتفاضات والثورات لها فاتورة يجب دفعها.
السؤال الذى يطرح نفسه هل يمكن تحدث فى ارتريا إنتفاضة أو ثورة شعبية ؟ نعم يمكن أن تحدث ذلك وبالرغم من المثبطات التى ذكرتها سلفاً بشرط :ـ
ـ المصداقية والإخلاص
ـ وحدة الصف الإرترى
ـ التركيز على إزالة النظام ونبذ الخلافات غير المجدية بين تنظيمات المعارضة وإيجاد صيغة تفاهم بينهم.
ـ تفعيل الحراك الشعبى فى الداخل وعدم التفريط فى مساندة الإنتفاضات كما حدث لإنتفاضة شرق اكلوقوزاى.
قبل أن أختم المقال أقدم التحية لجيل التغيير شباب تونس الخضراء ومصر أرض الكنانة الذين علمونا معنى التضحية وسطروا تاريخ الفجر الجديد ، فجر الحرية والإنعتاق والإنفكاك من الدكتاتوريات وعقبال للشعب الإرترى الذى إنتصر على جبروت الإمبراطورية الإثيوبية وسوف ينتصر بإذن الله على طاغية القرن الإفريقى .
إخوتى فى الوطن يجب أن ندرس ونستلهم العبر من الثورتين المباركتين التى وحدت العلمانيين واليساريين والمسلمين والمسيحيين وكل مواطن حادب على مصلحة بلده فى بوتقة واحدة وخندق واحد وإمتزجت دمائهم لتسطر ملحمة الأحرار وتغير صورة العالم العربى .
رياح التغيير التى عصفت بدكتاتورية مبارك وزين العابدين سوف تهب على معظم العالم العربى وتصل الى إرتريا عاجلاً أم آجلاً وتزعزع أركان النظام الإرترى الذى إن شاء الله سوف يزول لنبنى وطن العز والكرامة والعدل والمساواة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق