الأربعاء، 23 مارس 2011

الصراعُ مع الآخر …. قراءة للسُننٍ الكونية

بقلم :- عبدالواحد شفا  

  تحديد طبيعة الصراع مع الآخر في أرتريا ،من المواضيع الشائكة والمعقدة ،والبترُ فيها إنفراداً باب من ابواب العجلة ،لذا نقدم رأيا يدور بين الصواب والخطأ ، نكون فيه اقرب إلى محطة التشخيص لا التشخيص نفسه ،وصيتنا قراءة هذا المقال قراءة متأنية، بعيداً عن القراءة الأمنية  ذات الاحكام الجاهزة.                                                     

   مفهوم الصراع مع الآخر في أرتريا من منظور السنن الكونية ،شأنه شأن اي صراع يدورُ في الارض ،وعليه لا يمكن فهمه فهما صحيحاً من غير فهم مضامين هذه السنن الكونية،إذا لابد من الإشارة إلى ماهيتها  ؟وما هي خصائصها ؟نقول السنن هي نواميس وقوانين تجري على الناس جميعا ، ليست لها علاقة بالدين والجنس واللون ،وهي سنة الله في الخلق إيجاداً وتقديرا،قاعدتها الكبرى الجزاءُ من جنس ألعمل ،ومعرفة هذه السنن لاتشكل لنا وقاية من الصراع الذي نحن فيه ، وإنما تشكل خبرة وتفتح لنا آفاق للتعامل مع الصراع وكيفية إدارته ، ومن خصائص السنن الكونية                                                            
أولاً   الربانية :-                                                                                   
 وهي من اهم الخصائص للسنن  في القراءن الكريم ،فلذا نجدها مرتبطة ومضافة لاسم الجلالة (وسنة الله) و (كلمات الله ) والقراءن عندما يسبغ الطابع الرباني على هذه السنن التي  تحكن عالم الغيب والشهادة ،يريد ان يؤكد ان مصدر هذه السنن هو الله .
 ثانيا  والعموم والشمول:-
  وهذا يعني انها تشمل الناس جميعا دون تميز،والنتائج بمقدماتها ،فاي مجتع يخطئ أو ينحرف  يجد جزاء خطئه وإنحرافه  ،ولو كان من اطهر الناس ،حتى مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم  عندما اخطأ  في غزوة احد، وجد جزاءه   قال تعالى ( ولما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ….)
 إذاً طهارة المجتمع وسلامة معتقده لاتكفي ، وليست هي من لوازم النصر في صراعنا  مع الآخر ،وعلى هذا السياق يفهمُ إنهزام الصحابة في غزوة احد.وكذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يحكمُ على في الامور المتماثلة بأحكام متماثلة ( أكفاركم خيرُ من أُؤلئكم  أم لكم براءة في الزبر )
ايضا نجد شمول السنن في طبائع الناس قال تعالى (وكان الانسانُ أكثر جدلا) و(كان الانسان عجولا).وسنة التغييرالكونية نجدها في تغيير الذات قال تعالى (ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ) الرعد.
ثالثا الثبات والإستمرار :-
 ومن خصائص هذه السنن الكونية الثبات والاستمرار ،فهي لاتتغير ولاتتبدل ،وهي تجري على الآخرين كما جرت على الاولين ،وكل من يقرأ تاريخ الامم الهالكة والحضارات  السابقة  نجد انها محكومة بسنن ثابتة  لاتتبدل ،قال تعالى( سنةُ الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) قال شيخُ الإسلام ابن تيمية  والفرق بين لفظي التبديل والتحويل مع ضرب الامثلة ليتضح ألمراد ،فالتبديل ان تبدله بخلافه والتحويل ان تحوله من محل الى محل.
 رابعا  الإطراد :-
  وعملية الإطراد هي التكرار على طريقة واحدة  ،وكلما وجدت الاسباب وتوفرت الشروط وإنتفت الموانع ،تحقق ألنصر أو نزل  العقاب ،قال تعالى (قد خلت سنن من قبلكم فسيروا في الارض فأنظروا كيف كانت عاقبة المكذبين …..) وحكمة الله شاءت أن يسوي بين المتماثلين ويفرق بين المختلفين قال تعالى ( أفنجعل المسلمين  كالمجرمين… ) القلم .والحكمة من ان سنن الله مطردة  هي ضبط الميزان  لقراءة الاحداث والاحوال ،وكذالك قيام الامم وإنهيار الحضارات .
هذه المقدمة الطويلة لنبين أهمية فهم السنن الكونية ،وأن كثير من المسلمين اليوم يسيروا في الارض من غير فهم لهذه السنن ،يريدون  أن ينصرهم الله لمجرد أنهم مسلمون ،بالرغم أن هذا النصر لم تتوافر شروطه وتنتفي موانعه ،ولهذا يقول شيخ الاسلام  إن ألله ينصرالدولة العادلة ولو كانت كافرة .
  إذاً  قبل أن ندخل في الصراع وما يترتب عليه من نصر وهزيمة  ، لابد من تحديد ماهية ألصراع نفسه .إذا الصراع هو أن يتصارع طرفين من أجل الوصول إلى منافع أكثر .
 فالصراع منه ماهو إيجابي ومنه ماهو سلبي ، أو بمعنى آخر منه ماهو صحي ومنه ما هو مرضي ،فالصراع الإيجابي هو الصراع الطبيعي أو الفطري ،وهذا النوع لاتخلو منه اسرة او اي مجتمع او اي امة من الامم ،لان الاصل في في هذا النوع من الصراع هو المنافسة والنفوذ،على عكس الصراع الثاني  الذي يقوم على فلسفة الاقصاء والتدمير وإستئصال الآخر .
 من هنا نستطيع تشخيص طبيعة الصراع في ارتريا ،اولا هل يوجد صراع  في ارتريا مع الآخر ؟اذا كان نعم ، ماهو نوعه ؟ بعد قراءة ومتابعة للتاريخ السياسي وتأمل للواقع  نقول نعم يوجد صراع ، لكنه صراع سياسي وليس صراع أيدولوجي ،هذا  التوصيف الصحيح لطبيعة الصراع مع الآخر يساعدنا على  تحديد الوجهة التى نتجه اليها ، والمكان الذي نقف فيه ، والقاعدة التي ننطلق منها والمنهج الذي نحتكمُ  اليه ،لانه لايمكن أن نخوض صراعا وهميا لا وجود له، أو نفتعل أن الصراع صراع ديني كما صور بعض حديثي العمل ألسياسي ألذين لاتتجاوز تجربتهم مرحلة إصدار البيانات والمنشورات ،ومما يعضدُ  قولنا أننا لا نعرفُ  تقسيماً للشعب على هذا ألمنوال ،كما لا نعرف احزاب او كيانات سياسية  على شكل طائفي ديني  ،محصورة العضوية على المعتقد الديني ،إلا في زمن الدروشة السياسية.
 إذا  الأزمة التي نعيشها اليوم هي ازمة توصيف، ولما إضمحل دورُ التنظيمات الوطنية والشخصيات القومية وفشلنا في إنجاب القيادات القُطرية،وهنا أُسد الامرُ إلى غير أهله    ،وإن لم نتدارك هذا الامر سريعا، سندخلُ في مسار ونفق لا ندري عمقه وإمتداده ، والعاقلُ من إتعظ بغيره ،وما تجرية  السودان عنا ببعيد !!.
 إذاً صراعنا  مع الآخر في إرتريا هو صراع سياسي  يكمنُ في كيفية المشاركة والمساهمة السياسية،وفي فلسفة إدارة الدولة وتسير شئون الحكم ، وفي كيفية ادارة هذا الصراع نفسه ،وحل هذا النوع من الصراع يكون بإثبات حقوق الاطراف جميعا ، على قاعدة العدل والمساوة ،فالعدل تقسيم المجموع على اساس  استحقاق الوحدة ،والمساواة تقسيم المجموع علي عدد الوحدة .وإدارة الصراع عبر وسائل الديمقراطية والشفافية ،والبعد عن وسائل المكر والخداع ،والتعامل مع   قضايا الوطن بمسئولية وامانة بعيدة كل البعد عن الانانية والذاتية والمصالح الضيقة،وإشاعة المعروف بين الناس وإقامة العدل بينهم ، ومتى ما طبق المجتمع العدل بين افراده من غير تميز للجنس والدين واللون ،كان اقرب الى سنة الله الكونية النصر ،والعكسُ تماماً. وفي هذا السياق حاولت بعض النخب السالبة أن تلوي عنق التاريخ  لتقدم لنا قراءات مبتسرة أشبه  بفقاقيع الصابون مغلفة  بالصبقة الدينية ليُكتب لها الرواج والإنتشار بين الناس،ولكن أنى للناس الإنتفاع من الزبد، مدعية في ذلك إستهداف الاسلام والمسلمين من الآخر، وان الصراع  صراع ايدولوجي ،صحيح أن نظام أفورقي نظام ظالم مارس كل اشكال القهر والإستبداد  ضدنا ،لكن السؤال من قال  أن افورقي  يمثل الآخر ؟ أيضاً من قال هذه النخب السالبة تمثلنا نحنُ؟.وعليه هذه بضاعة مزجاة لا تمكث في الارض ،وأنى للاعمى عد الدراهم .ومما يشجعنا ايضا على القول أن الصراع ليس صراعا إجتماعيا ،هو أن التباينات الاجتماعية عندنا متقاربة ،والانساق والنظم الاجتماعية غير متنافرة ،إذا سنة الله الكونية النصر تتحقق بمقتضى عدالة القضية في صراعنا مع الآخر،لا بمقتضى أننا مسلمون ،كما أن قبول الطاعة لا يكون إلا بتوافق الطاعة نفسها مع مقتضي ألشرع، كذلك النصر،،،،،،

ليست هناك تعليقات: