وماذا بعد 24 مايو 1991 ؟
شهر
مايو ليس كبقية الشهور بالنسبة للشعب الإرتري . ففي هذا الشهر كانت بداية
جديدة وبطريقة مختلفة لأفراد أصبح يطلق عليهم " إريتريون بطريقة رسمية
عالمياً " . ففي يوم الجمعة الموافق 24 مايو من عام 1991 دخل الجيش الشعبي
الإرتري بقيادة " الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا " العاصمة أسمرا اكتمالا
لتحرير جميع الأراضي الإرترية من الاحتلال الاثيوبي وبعد نضال مسلح هو
الأطول في القارة الأفريقية لمدة 30 سنة .
هذا
النضال الذي بهر العالم كان بسبب صمود الشباب الإرتري في جبال الساحل
الشمالية ، وقماش أكفانهم تلف رقابهم. حيث كان زادهم في تلك الفترة
إيمانهم التام بأنهم أصحاب الحق والنصر سيكون حليفهم عاجلا أو آجلا .
الثوار الذين غادروا مدنهم وقراهم ومدارسهم وعملهم من أجل شرف الالتحاق
بالنضال المسلح و بل إن كثير منهم ترك مدن الغرب وجامعاتها من أجل أن
يكونوا في الجبهات الأمامية من القتال تحقق هدفهم وحصدوا ثمرة نضالهم بكل
تداعيات فترة الثورة وماحدث فيها من انقسامات ومؤمرات داخلية وخارجية على
الثورة ؛ إلا إنه في نهاية المطاف تم المبتغى وتحررت الأراضي الإرترية ،
وأُعلن الاستقلال وتم رفع علم دولة إرتريا بين أعلام الدول في منظمة الامم
المتحدة . وبهذا انتهى زمن الثورة المسلحة ضد الاحتلال الأثيوبي .
وماذا بعد 24 مايو 1991 ؟
كثير
من الثوار عادوا لحياتهم المدنية من اكمال لدراستهم أو الخوض في الحياة
العملية داخل وخارج ارتريا وتكوين عوائلهم وحياتهم الإجتماعية وفي كل
الأحوال المشاركة في إعمار البلد والعيش فيها بكرامة وعز ورخاء بعد أن عاد
البعض من بلاد المهجر . الهدف والحلم كانا أن تصبح ارتريا " سنغافورة
أفريقيا " . لكن هل في 24 مايو 2015 أصبحت إرتريا كما كان يتمناها ابناءها ؟
في
عالم الأعمال والإدارة يهتمون بعبارة " سنوات الخبرة" لأي موظف أو رجل
أعمال ، لأنه وفقا لها سيتحدد الانجاز أو العكس . ولذا فهناك فرق بين
خبرات السنوات وسنوات الخبرة . في زمن الثورة خبرات سنوات النضال تراكمت
بكل صعوباتها وآلامها وصبر رجالها ونساءها ومعاناة العائلات في الداخل وفي
بلاد اللجوء والشتات حتى أدت في النهاية إلى النتيجة التي كان يعمل من
أجلها الجميع " استقلال وقيام الدولة الإرترية " . وأصبح يوم الاستقلال
تاريخ فاصل للإنسان الإرتري وأصبح يؤرخ حياته قبل هذا التاريخ وبعده .
الإرتري
يعي إن متطلبات الثورة تختلف تماما عن متطلبات الدولة ورجال الدولة لا
يشترط أن يكونوا هم أنفسهم رجال الثورة وهذه سُنة الله في الكون فلكل زمان
رجال ولكل مرحلة قادة يقودون الأمة . ما حدث في إرتريا إن الثوار هم أنفسهم
من استمروا في إدارة الدولة . ولأن تاريخ النضال كان طويلا وشاقاً واحتوى
على الكثير من المعوقات فتم فرض نظرية " السيركالسلحفاة في التنمية " على
الشعب الارتري . مفهوم هذه النظرية هو العمل مثل السلحفاة ببطء حتى الوصول
للهدف ، مع الاجبار على العمل مثل " النمل" بلا كلل ولا شكوى والطاعة
العمياء للقائد . لكن لأن رجال الدول غير رجال الثورات وطريقة إدارة
الثورة تختلف جذرياً عن إدارة الدولة التي تحتاج لدراسات وخطط ونماذج وعلم
وخبرات رجال في مجالات الحياة المختلفة ولعدم توفر كل ذلك فيمن تصدروا
لإدارة الدولة فلم تتحقق النظرية . ولم يتحقق الجزء البسيط من طموح ومطلب
الشعب الإرتري بالرغم إنه مازال يعمل كالنمل دون راحة. فلا السلحفاة وصلت
للهدف ولا النمل ارتاح وبنى بيته .
هذ
السنة تحتفل الحكومة الإرترية بعيد الاستقلال تحت شعار " التنمية بالصمود "
اعتدنا على هذه الشعارات الرنانة التي فيها كلمات صمود وعمل وتنمية وتصدي
...الخ ومن تلك الشعارات في السنوات الماضية " نعمل اليوم من أجل غدا
مزدهر " وجاء الغد ولم تزدهر الدولة بل بالعكس في تراجع مستمر في مجالات
الحياة المختلفة ، فلا تنمية ولا ازدهار. الاحتفال بعيد الاستقلال حدث هام
بالنسبة للحكومة . ونعود لعبارة " سنوات الخبرة " لنجد إنه في زمن الدولة
الذي حدث إنه خبرة سنة تكررت خلال السنوات الأربع والعشرين . تجنيد اجباري
لجميع فئات الشعب منذ الاستقلال وحتى الآن . لم يسلم أحد من حمل السلاح
سواء الشباب من الجنسين أو كبار السن من الرجال . ومسألة التنمية التي يجب
أن يشارك فيها جميع الشعب دون استثناء وبطريقة زمن الثورة حيث جعلت من
المرأة السبعينية تخرج من الفجر من بيتها وهي تحمل أدوات الحفر من أجل أن
تشارك في غرس شجرة أو في تنظيف شوارع المدينة دون أي اعتبار لعمرها ولا
لصحتها ولا لنضال ابناءها أو استشهاد زوجها من أجل التحرير . الشعب كله في
حالة سخرية لا تنتهي بل حتى الخوض في حروب لا ناقة للشعب فيها ولا جمل حتى
أصبح الخلاص هو الهروب من إرتريا إلى المجهول .
بعد
24 سنة من التحرير أصبحت ارتريا الحلم من أسوء الدول في مستوى المعيشة
للفرد ،و أصبحت للاسف في ذيل القائمة في معظم المجالات . ووفقاً لبرنامج
الأمم المتحدة الإنمائي في ارتريا حسب موقعه في شبكة العنكبوتية فإنه في
مجال التنمية البشرية *: احتلت ارتريا المركز 182 من أصل 187 بلدا وإقليميا
معترف بها لدى الأمم المتحدة . وفي مجال التعليم نسبة من يتقن القراءة
والكتابة بين البالغين : 68.9% من تعداد السكان . اما معدل الفقر فبلغ
نسبة 69% . لكن شاهدت ارتريا تقدماً ايجابياً بالنسبة لانخفاض معدلات
وفيات الرضع والأطفال بشكل كبير. وزاد تغطية التحصين بشدة,وقلوفيات الملاريا والأمراض وتراجع انتشار فيروس نقص المناعة البشرية في فترة قصيرة جدا من الزمن. بالمقابل وفقا لمراسلون بلاحدود مازالت إرتريا في ذيل القائمة من ناحية حرية الصحافة وابداء الرأي .
ستحتفل
الحكومة بعيد الاستقلال وسيرقص الكثيرمن الشعب على آنين آلامه . وفي نفس
الوقت تبكي الأمهات على ابناءها الذين يموتون في صحاري افريقيا ويغرقون في
البحار ويتاجر بأعضائهم في صحراء سيناء دون أن تلتفت لهم الحكومة المحتفلة
أو تهتم لشأنهم "فهم مجرد نمل " . وسيأتي الارتريون من المهجر من أجل
الاحتفال في أسمرا وسيجدون أخوانهم في الداخل وهم يفترشون الخلاء بعد ان تم
هدم بيوتهم من قبل الحكومة ولن يثنيهم ذلك عن الغناء والرقص . في ذكرى
الاستقلال سيتم عرض تاريخ مبتور عن الثورة وعرض تاريخ بكل فخر لمناضلين
وتجاهل متعمد لتاريخ الأوائل من الثوار المناضلين الذين يموتون تباعاَ في
بلاد الصقيع . سيحتفل الرئيس بعيد الاستقلال وسيخطب أمام الجمهور بعد حالة
الاختفاء السنوية من قبله وسيحلل المهتمون خطابه ، ولن يتجرأ أحد ليسأله عن
نتائج ما قاله العام الماضي في خطابه الاحتفالي عن كتابة دستور للبلاد .
وسيتغنى كثيراً بالثورة والشهداء . وابناء الشهداء يعانون الأمرين ، صعوبة
الحياة والكرامة المهدورة في بلدهم وخارجها . سيتم الغناء والرقص دون ذكر
أي انجاز في زمن الدولة ولن يتم اطلاق تغيرات أو اصلاحات في إدارة الدولة
أو حتى إطلاق مشاريع تنموية محددة الأجل . وكالعادة سيتم لوم امريكا على
معاناتنا . ولأننا في حالة اللاسلم واللاحرب مع الجارة أثيوبيا فللحكومة
كامل الحقوق في استدعاء أي فرد من الشعب من الجنسين من أي فئة عمرية
للالتحاق والتدريب مع الجيش الرسمي أو الشعبي وليس لأي فرد الاعتراض أو
المطالبة أن يعيش حياة مدنية هادئة . ولها الحق في اعتقال وسجن أي شخص دون
أي تهم أو محاكمة . وكالعادة سيزيد عدد الفارين من الجيش لدول الجيران بعد
خطاب الرئيس السنوي المحبط .
وأخيراً:
سيتم إضافة سنة جديدة على خبرات سنة في تاريخ إدارة الدولة الإرترية .
صحيفة المهاجر – استراليا
عدد مايو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق