ظاهرة انشقاق الدبلوماسيين الاريتريين الظواهر والأسباب بقلم / فتحي عثمان
بانشقاق
السكرتير الأول بالبعثة الدائمة لاريتريا لدى الاتحاد الافريقي السيد محمد
ادريس جاوج والذي أعقب بأسبوع واحد فقط انشقاق القائم بالأعمال بسفارة
اريتريا بدولة الكويت السيد قرماي قرماصيون، فإن ظاهرة تواصل انشقاق
الدبلوماسيين أخذت بعدا وأماكن متعددة في الفترة من سنة 2000 حتى اليوم.
في هذه العجالة والي يكتبها أيضا دبلوماسي سابق منشق سنلقي الضوء على
الأسباب الخفية للظاهرة وتوابعها. بدأت الظاهرة بانشقاق الموظفين
الدبلوماسيين ذوي الدرجات أقل من درجة سفير وتواصلت ليقوم ما يزيد عن
الخمسة سفراء بالانشقاق عن النظام خلال عقد من الزمان أو يزيد ضمن هؤلاء
السفراء نذكر السفير حبرت برهي سفير اريتريا المتعمدة لدى الدول
الاسكندنافية
والقرينة
السابقة للسفير المنشق أيضا هيلي منقريوس مندوب اريتريا الدائم والسابق
لدى الأمم المتحدة، ثم تلى ذلك انشقاق السفير عند برهان ولد جيورجيس سفير
اريتريا لدى بلجيكا ومندوبها الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، والسفير عبد
الله آدم سفير اريتريا لدى السودان، والسفير أدحنوم قبرماريام سفير ارتريا
لدى نيجيريا والسفير محمد نور أحمد سفير اريتريا لدى الصين، والسفير محمود
طروم سفير اريتريا لدى دولة الكويت، وبإضافة الموظفين الدبلوماسيين تحت
مسمي سفير تطول القائمة لتصل لما يقارب الخمسين دبلوماسيا: فما هي الأسباب
وراء هذه الظاهرة؟ هناك عدة أسباب تتضافر في انشقاق الدبلوماسيين بعضها
مصرح عنه ومعروف وبعضها يظل طي الكتمان ولكن بالإمكان حصر أسباب الظاهرة في
الأبعاد السياسية، والمهنية، والاقتصادية، ثم أخيرا الأوضاع الشخصية
الباعثة على السخط كمحصلة للأوضاع السابقة. في البداية علينا ايضاح حقيقة
أن غالبية دبلوماسيي اريتريا هم من قدامى المقاتلين في الجبهة الشعبية
مطعمين ببعض الدبلوماسيين من الاعضاء السابقين في التنظيمات الأخرى، وبعض
الدبلوماسيين من الشباب المتخرج من الجامعات حديثا. يعمل كل هؤلاء في ظل
غياب موجهات دبلوماسية واضحة. فكما هو معروف فإن الدبلوماسية هي وسيلة
تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، والجبهة الشعبية بحكم نمطها التنظيمي
العسكري وعجزها السياسي البنيوي لا تملك موجهات سياسية واضحة في الداخل
والخارج، ويتمثل ذلك في الآتي: بعد الاستقلال مباشرة وفي اللقاءات التي
أعتاد الرئيس اجرائها في شهر سبتمبر من كل عام سئل في احدى المرات عن
دبلوماسيي المستقبل في اريتريا، فرد بصلفه وغروره المعهود: أولا من سيمثلون
ارتريا في الخارج هم نفسهم الذين حملوا السلاح من أجل تحريرها، وسوف يتم
تدريبهم على تمثيل بلادهم في الخارج، والذين هم في الخارج ويحلمون بأن
يكونوا ممثلين لهذا البلد عليهم أن يفيقوا من أحلام اليقظة. بهذا وضع فخامة
الرئيس المحدد الأساسي لمنفذي الدبلوماسية الاريترية- إن وجد-. ومع تحديد
سقف الكادر وقدراته غاب مفهوم المصلحة القومية على المستوى السياسي
والاقتصادي والامني والثقافي وهو المفهوم العصب للسياسة الخارجية، كما نعلم
جميعا. وزارة الخارجية كمؤسسة لا تقوم مبادئها على الكفاءة والجدارة
والاستحقاق بل تعتمد على مفهوم الولاء المطلق، وأدي هذا أولا ولضيق مفهوم
الولاء، إلى أن يصبح العدد الإجمالي لموظفي الوزارة من دبلوماسيين وغيرهم
في الداخل والخارج منذ بعد التحرير وحتى اليوم لا يتجاوز 250 موظفا، أي من
الخفير إلى السفير، ومثل هذا العدد يعمل في دول الجوار في قسم واحد في
وزارة الخارجية. بهذا تم رسم دائرة نارية يصعب تخطيها لكفاءات ارترية قادمة
من الخارج وتحمل مؤهلات عالية وتم وأد احلامها في العمل الدبلوماسي. وكانت
المحصلة هي الفشل المتلاحق للسفارات في الخارج والتي تحولت نتيجة إلى ذلك
إلى نوافذ جباية ضرائب ونادي لإقامة الحفلات من أجل حلب جيوب المواطنين.
وهذه القلة الدبلوماسية التي تعمل في الخارج تحرم من حقوق انسانية أساسية:
فالمعروف أن الحكومة الاريترية تمنع أسر الدبلوماسيين من الالتحاق بذويهم
في الخارج، والهدف هو إمساك الاسرة كرهينة حتى لا يهرب الدبلوماسي من
ناحية، وحتى لا تقوم أسرته باستغلال الجواز الدبلوماسي وطلب حق اللجوء في
الخارج وهو ما أصبح أمرا متكررا من أسر الدبلوماسيين. يضاف إلى ذلك شح
موارد الدخل: فارتريا لا تمنح موظفيها الدبلوماسيين مرتبات شهرية كما هو
معتاد في السفارات الأخرى. عوضا عن ذلك يستمر مرتب الدبلوماسي في اريتريا
بالنقفة، بينما يأخذ ما يعرف بمصاريف الجيب أو كما يسمى بالتقرينية
بالأبال، وهذا الأبال لا يتجاوز مبلغ 900 دولار للسكرتير الأول ويصل في
حالة السفير إلى 2000 دولار فقط ، وهو بحسب قوانين الدول الاوروبية التي
تحدد الحد الأدنى للأجور مثلا، يعادل مرتب سكرتيرة السفير. وعند هذه
المقارنة يتضح أن مرتب السكرتير الأول في دول الجوار يبلغ ثلاثة أضعاف مخصص
السفير الارتري، طبعا فيما عدا الامتيازات الأخرى. وتقوم وزارة الخارجية
بدفع ثمن التذكرة الأولي للدبلوماسي للوصول إلى مقر عمله الجديد ماعدا ذلك
فكل رحلاته الخاصة، كالإجازات الصيفية أو الزيارات المفاجئة بسبب حالة وفاة
أو غيره مثلا يدفعه من هذا الأبال. يضاف إلى ذلك عدم دفع السفارة أي مبالغ
لتطوير القدرات الذاتية للدبلوماسي مثل تعلم اللغات أو أي مهارات أخرى.
اضافة إلى غياب التخصص وتقسيم العمل فتجد الدبلوماسي هو الملحق العسكري
ومسئول الشئون السياسية والاقتصادية والثقافية وممثل الحزب وممثل الجالية
لدى الجالية وما لا ينتهي من المهام. أما بالنسبة للأوضاع المهنية فالشق
الأول ذكرناه أما الشق الثاني المتمثل في الحصول على امتياز داخل البلاد
فهو غير موجود، فالمبلغ الزهيد الذي يتقاضاه الدبلوماسي من مرتبه أو مخصصه
لا يساعده على شراء بيته الخاص، وهو غير مسموح له بإدخال سيارة خاصة به ما
لم يدفع الجمارك، على عكس رصفائه من الدول الأخرى الذين يستطيعون بعد
انتهاء الخدمات من ادخال سياراتهم الخاصة والجديدة بدون جمارك اضافة إلى
كامل أثاث المنزل. ربما تتقاصر هذه المشكلة أمام حقيقة أن وزارة الخارجية
الاريترية مكتب تابع لمكتب الرئيس فهي بعد ما يقرب من ربع قرن لم تصل إلى
درجة المؤسسة، ولن تصل، بهذا الاتجاه الذي تسير فيه، فالوزارة ليس فيها
دائرة قانونية مستقلة، وليس فيها دائرة سياسية أو اقتصادية واضحة المعالم
والتخصص وليس فيها دائرة بحوث واستشارات وليس فيها مكتب تخطيط سياسات،
وتعمد تغييب هذه الأجهزة في الوزارة الهدف منه منع أكبر عدد من ذوي
التخصصات من الالتحاق بالوزارة، مما يسهل على مكتب الرئيس سهولة ادارتها
واخضاعها أسوة بالوزرات الأخرى مثل وزارة الدفاع والعدل والمالية. وهذا
الخط الإداري يجعل الدبلوماسي الارتري، يعمل تحت الأوامر المباشرة لمكتب
الرئيس، بل أن هناك سفراء في الخارج يختصرون المسافة ويتخطون الوزارة
للتعامل المباشر مع مكتب الرئيس، ولا يجدون حرجا في ذلك. هذه حقيقة ما يجري
داخل مطبخ السياسة الخارجية الاريتري، وهو الذي تدفع وجباته شبه السامة
المزيد من الدبلوماسيين من الفرار من سفارات النظام، الأمر الذي لا تتعامل
معه الوزارة الا بالتكتم والتستر ومحاولة تغطية قرص الشمس بكف اليد، ولكل
هذه الأسباب مجتمعة ومنفصلة سيتواصل انشقاق الدبلوماسيين الاريتريين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق