السبت، 30 مايو 2015

مدينة تدمر السورية في تاريخنا العربي موقع صحيفة القدس اللندنية

مدينة تدمر السورية في تاريخنا العربي

مايو 24, 2015
كانت تدمر في البداية مجرد واحة في الصحراء السورية تبعد 90 ميلا إلى الشرق من حمص ونظرا لموقعها على طريق القوافل المتنقلة بين البحر المتوسط وبلاد الرافدين أصبحت محطة مهمة ومركزا تجاريا فاتسعت أسواقها وازدهرت تجارتها ومن الثابت أنها كانت مزدهرة منذ القرن الثالث قبل الميلاد وعندما جاء النفوذ الروماني إلى منطقة الشام شمل واحة تدمر أيضا . وكانت لتدمر مكانة مميزة في العهد الروماني إلى حد ان الامبراطور هدريان منحها الاستقلال وجعلها في مرتبة الحليفة وأصبحت معفية من دفع الضرائب إلى روما . . وعندما تولى ادارة تدمر (أذينة بن السميذع ) جاء الفرس في عام 260 للميلاد بقيادة سابور لاحتلال الشام وكان الرومان في شغل عن التصدي لهم فتصدى لهم أذينة ومعه قوات تدمرية قوية فاستطاع ان يهزم الجيش الفارسي ويلحق به إلى عاصمته طيسفون التي هي المدائن اليوم فنال أذينة لذلك تقديرا عظيما من الرومان فعينوه قنصلا وجعلوه قائدا على جميع قوات الشرق بما في ذلك القوات الرومانية .
ولكن لم يلبث أذينة ان قتل في حمص ومعه أبنه الذي كان ولي عهده وكان ذلك الابن من امرأة غير زوجته زنوبيا ويرى بعض المؤرخين انه من المحتمل ان تكون زنوبيا هي التي رتبت عملية الاغتيال حتى تبعد زوجها وابنه عن الحكم فقد تولت زنوبيا بعد ذلك إدارة اعمال تدمر وقيادة جيشها كوصية على ابنها ( وهب اللات) وأظهرت زنوبيا حنكة سياسية عظيمة ومهارة فائقة في أدارة دفة الحكم فسكت النقود باسمها واسم ابنها ووضعت رسميهما عليها وأرادت ان تنافس روما بدل ان تكون حليفة لها وتجعل روما نفسها تابعة لتدمر . لهذا عندما علمت بانشغال روما في المشاكل المحلية أرسلت جيشها بقيادة القائد (زبدة ) واحتلت مصر ثم أرسلت جيشها واحتلت آسيا الصغرى التي هي تركيا اليوم وأعدت لنفسها مركبة ذهبية لتدخل بها روما دخول الظافرين . وهنا رأت روما ان خطر زنوبيا قد استفحل ويجب معالجته فذهب الامبراطور أورليانوس نفسه لقتالها . فبدأ حملته بأن أرسل أسطولاً كاملا إلى مصر واستطاع بعد قتال مرير ان يستخلص مصر من قبضة زنوبيا ثم انتقل إلى حربها في آسيا الصغرى فقطع البسفور واحتل انقرة ثم الرها ومضى يحتل البلاد مدينة مدينة إلى ان وصل إلى حمص ثم إلى أسوار تدمر . وكان الرومان يتندرون على اورليانوس قائلين ان امبراطور روما بكل عظمته يجد مشقة في محاربة امرأة. فيرد عليهم قائلا ( ولكنها نوع من النساء لم تعرفه الدنيا من قبل ) وعندما اشتد الحصار على تدمر هربت زنوبيا من نفق كان مبنيا تحت الأسوار فقبض عليها الرومان وهي تعتلي القارب الذي كان على وشك ان ينقلها إلى الضفة الأخرى من الفرات . وهنا تختلف الرواية في مصير زنوبيا فيقول بعض المؤرخين إنها شربت السم مفضلة الموت على الوقوع في أسرالرومان ويقول البعض الآخر ان أوليانوس أخذها معه إلى روما في موكب نصره وهي على مركبتها الذهبية كأسيرة وليس كظافرة وذلك في عام 273 للميلاد .
واحترمها الرومان لبطولتها الفائقة فعاشت في ضواحي روما معززة مكرمة وزوجت بناتها من رجال كانوا من أعلى طبقات المجتمع كما يقال أيضا أنها نفسها تزوجت من أحد أعيان روما وهكذا يسدل الستار على زنوبيا أقوى ملكة عرفها العرب في تاريخهم .
أما مدينة تدمر فقد عادت كما بدأت واحة مزدهرة في الصحراء السورية وعلى هذا الحال وجدها خالد بن الوليد عندما أخذها صلحا للمسلمين في عام 634 ميلادية أيام خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه وهي الآن مدينة صغيرة بلغ عدد سكانها عام 841 حوالي ثلاثين الف نسمة الا أنها كثيرة المياه ولهذا تعمل السلطات الآن على إنعاشها وزيادة عدد سكانها فادخلت الكهرباء والمياه الجارية وفتحت المدارس والنوادي ولا تزال ذكرى عظمتها باقية الآن على شكل آثار رائعة أهمها معبد الأله بعل اله الشمس . وكلمة تدمر تعني كثرة التمر فالغالب ان الحرف دال كان أصله تاء فهي اذن واحة تتمر وعرفها الأوروبيون باسم بالميرا أي كثيرة النخل وقد استطاع الاستاذ عدنان البني اثناء مؤتمر تدمر الأخير ان يثبت بأن زنوبيا ليست الزباء فزنوبيا شخصية تاريخية حقيقية لا ريب في ذلك إلا أن شخصية الزباء وقصة حياتها تغلب عليها روح الأسطورة .
د. فؤاد حداد – لنــدن
مدينة تدمر السورية في تاريخنا العربي

ليست هناك تعليقات: