من خطباء
العرب.. سحبان بن وائل
هو سحبان بن زفر بن إياس الوائلي، وائل باهلة، فصيح العرب، وخطيبٌ يُضرب به المثل في البيان والفصاحة، فكانوا إذا أرادوا مدح إنسان بذلك قالوا: «هو أخطب أو أبلغ أو أفصح من سحبان وائل» أدرك الجاهلية، وأسلم، وهو أوَّل من قال: أمَّا بعد، وأوَّل من آمن بالبعث من الجاهلية، وأوَّل من توكَّأ على عصا، مات سنة أربعٍ وخمسين، وحكى الأصمعيُّ قال: كان إذا خطب يسيل عرقًا، ولا يعيد كلمةً، ولا يتوقَّف، ولا يقعد حتَّى يفرغ، وممَّا روي من خطبه البليغة قوله:
«إنَّ الدّنيا دار بلاغٍ، والآخرة دار قرارٍ، أيُّها الناس فخذو من دار ممرِّكم، لدار مقرِّكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدّنيا قلوبكم قبل أن تخرج منه أبدانكم، ففيها حييتم، ولغيرها خُلقتم، إنَّ الرجل إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدَّم؟ قدِّموا بعضًا يكون لكم، ولا تخلِّفوا كلاًّ يكون عليكم».
«جواهر الأدب»
نشأ سحبان بن زفر بن إياد في الجاهلية بين قبيلة وائل من ربيعة، ثم دخل في الإسلام عند ظهوره، واتصل بمعاوية، فحسن موقعه لديه، واعتمد في يوم الكلام عليه. كان سحبان خطيبا غمر البديهة، قوي العارضة، متصرما في فنون الكلام، كأنما يتلو عن ظهر قلبه. وبه يضرب المثل في كل ذلك.
قدم على معاوية وفد من خراسان فطلب سحبان فلم يجده في منزله، فاقتضب من حيث كان وادخل عليه.
فقال له معاوية: تكلم.
فقال: أحضروا اليّ عصا.
قالوا وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين ؟
قال: ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه.
فضحك معاوية وأمر له بها. فلما جاءته ركلها ولم ترق في نظره، فجاءوه بعصاه، وخطب من صلاة الظهر الى ان حان وقت العصر ما تنحنح ولا سعل ولا توقف ولا تلكأ ولا ابتدأ في معنى وخرج منه وقد بقي فيه شيء. فما زالت تلك حاله حتى دهش منه الحاضرون.
فأشار إليه معاوية بيده فأشار إليه سحبان: لا تقطع علي كلامي !
فقال معاوية: الصلاة !
قال هي أمامك نحن في صلاة وتحميد ووعد ووعيد
فقال معاوية أنت أخطب العرب قال سحبان: والعجم والجن والإنس.
وهذه الحادثة تدل على قوته وجرأته وغزارة بحره، ومعرفته لقدره.
ولكن المأثور من خطبه قليل في جانب شهرته. ولعل خلوه من الجاه والرياسة، وبعده عن الأحزاب والسياسة، وطول خطبه ووحدة موضوعها صرف الرواة عنه.
كانت وفاته في خلافة معاوية سنة 54هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق