نظام أسمرا يعتمد هدم المنازل بحجة التخطيط مدينة عدى قيح نموذجاً
كل
دولة تُريد النُهوض ببلدها يجب أن يُحظى التخطيط فيها بأولوية قصوى فى
مُخيلة كل من يديرالدولة فتعمل الدولة على وضع سياسات تتضمن توسع المدن
وإنسياب الخدمات فيها فضلاً عن توقع زيادة الكثافة السكانية للمدن وبالتالى
تزداد مطلوبات الخدمات تبعاً لذلك فتشتمل رؤية التخطيط فيها لتلك
المُتغيرات والمُستجدات !
والأهم
من ذلك فإن روح التخطيط يعتمد على وضع قوانين تتماشى وقدرات السكان
ومستوياتهم والعمل على دراسة سلوك ورغبة السكان وتطلعاتهم وإهتماماتهم التى
تتغير وفق القُدرات والإمكانيات !
وهذا
بالطبع يجعلنا نؤمن بأهمية التخطيط للمدن والقرى ونرى إتباع منهجية
التخطيط السليم وما يلازمها من مُقومات الحفاظ على البيئة وتوفير الخدمات
وغيرها من منافع التخطيط المُتعددة كتيسيرسُبل العيش والحركة وتوفير أسباب
الراحة والرفاهية للسكان داخل المدن!
ويتضمن
التخطيط عادة بناء البنى التحتية كالمصارف والطُرقات والجسور إضافةً فإن
التخطيط يمنع عشوائية البناء للمساكن وتفاوتها الذى يسبب المشكلات البيئية
كما أنه يضمن سلامة المدن من التغييرات المُناخية التى تحدث كالفيضانات
وغيرها ويضمن فى حالات عدة الإقتصاد فى الموارد ومنع التلوث وتقليل تكلفة
التشغيل .
ثم
ان التخطيط يضمن التنمية المستدامة للمدن عبرالتخطيط برؤية إستدامية وهو
ما يُعرف بالتخطيط الحضرى المُستدام للمدن أو مايطلق عليه ببناء المدن
الذكية .
وللتخطيط أهمية قصوى فهو :
# يضمن التوزيع العادل للأرض وفق ضوابط وقوانين مُلزمة وعادلة .
# يُساعد على بناء بنية تحتية مستدامة للمدن ومرنة تستوعب المتغييرات .
# إستخدام الموارد بطريقة فعالة تلبى جميع إحتياجات السكان بأقل كُلفة وبأسهل طريقة.
# توفير مواصلات عامة بطريقة بحيث تكون الخيار الأفضل للسكان فى الحركة .
#
تحديد مواصفات البناء التى تساعد على توفير الطاقة وتُقلل تاثير عمليات
الإنشاء والتشغيل ومراعاة موارد الطاقة وتقليل التلوث مع مراعاة مقدرة
السكان وإمكانياتهم .
# مراعاة التخطيط إمكانية إقامة مشاريع إنتاجية مستوعباً زيادة الكثافة السكانية بالمدن .
مشكلات التخطيط فى أرتريا :
@ عدم وجود قانون واضح ومُنصف لتوزيع الأراضى .
@ عدم وجود مصلحة للأراضى تتوفر فيها أبسط المعايير الدولية مع غياب الوعى الخدمى لدى القائمين بها .
@ عدم وجود كوادر فنية مع ضعف الخبرات والإمكانيات فى مجال التخطيط .
@ عدم وجود دولة مؤسسات فى أرتريا يزيد من أزمة التخطيط وقضايا الأرض فى أرتريا.
عليه
بناءاً على ماسبق هل ما مارسه نظام أسمرا من هدم المنازل يندرج تحت بند
التخطيط والعُمران أم هو إنعكاس للتخبط السياسى الحاصل فى إدارة الدولة هذا
ما نود تناوله عبر هذه المقالة ونتخذ حاضرة إقليم أكلى قوزاى نموذجاً.
أولاً:
الأرض التى تم البناء عليها قانونية ومخططة ومصدقة من قبل الجهات المخولة
بتوزيع الأرض (مصلحة الأراضى ) وفق الضوابط والقوانين المعمول بها وتم دفع
الإلتزامات المالية المقررة عليهم للجهات الرسمية منذ إستلامها حتى لحظة
الهدم فضلاً عن الرسوم السنوية للبلدية .
ثانياً:
كانت هنالك توجيهات بعدم بناء المنازل على الأراضى التى تم تصديقها
للمواطنين بالمدينة بحجة قلة الموارد وتفضيل إهتمام الدولة ببناء قدراتها
لمواجهة نُذر الحرب الأرترية الإثيوبية حينها وغيرها من الأسباب والعوامل
التى لم تقنع تلك المُبررات للمواطن .
وعندما
طالت مدة المنع كحال القرارات فى أرتريا وإنعدام المؤسسية في الدولة لجأ
السكان ببناء المنازل طيلة الفترة الماضية ولم يتم منعهم من الإدارة
المحلية وتسارعت تبعاً لذلك وتيرة البناء وقامت أحياء جديدة بعمران وُصف
بالمتقدم وبتكاليف مادية باهظة .
ثم
جاءات القرارات الهستيرية الأخيرة بإزالة أحياء كاملة بالمدينة وقُدرت عدد
المنازل التى تم هدمها إلى (300) منزل فى عدد أربعة أحياء تمت تسويتها
بالأرض وبشهادة مواطنين بالمدينة فقد كانت المنازل قد بُنيت بصورة حديثة
ومُتطورة .!
وتوالت
الوفود للمدينة قبل الهدم لإقناع الأهالى بقبول الهدم ولم تنفع لهجة
التهديد وأستعصت المدينة وخرج الطلاب فى تظاهرات لم يشهد الوطن مثيلاً لها
ووقف المواطنون أمام جرافات الهدم وسقطت الشهيدة فاطمة محمود واقفةً أما
جرافاتهم رافضةً للهدم فى ملحمةٍ بطولية نادرة ستسجلها أدبيات النضال لانها
كتبت تاريخاً بمداد الصمود وتحدى الباطل مهما كان حجمه فى ثباتٍ ..!
عاشت
المدينة أياماً عصيبة وجمع لها النظام الحشود والدبابات وطُوقت البيوت
بالجنود مع حظر للتجوال حتى تمت عمليات الهدم وقد صاحب تلك الحملة دعاية أن
خلف هذا الرفض الشعبى الموحد قوى خارجية! لايُصدق الواحد منا بأى عقليةٍ
تُدارالدولة الأرترية وما هوهدفهم أصلاً وإلى اين يقود البلاد هؤلاء!
فى
السودان تتعامل مصلحة الأراضى بطريقة حضارية مع مواطنى السكن العشوائى
فتوزع لهم قطعاً سكنية بديلة فى مواقع أخرى قريبة وحتى السكن العشوائى حين
لا تؤول ملكية الأرض لأحد وليست بها موانع قانونية فإنها تشرع فى وضع خطة
تسكين لمواطنيها وتوزع لهم الأراضى فى مواقعهم وتعمل على تخطيط وتنظيم
وتوزيع الأرض لمستحقيها من السكان بإعتبار أن ذلك من أبسط حقوق المواطنة !
فضلاً
عن أن المدن التى ظهرت فى أطراف الخرطوم وتم تخطيطها عبر الإدارات الأهلية
فإنها تقوم بتوفيق أوضاعهم تخطيطاً وتنظيما وإدراجها فى سجلات الأراضى لأن
مصلحة الأراضى همها الأول والأخير هو توفير مسكن للمواطن فى منطقة مهيأة
للحياة إن كان مستحقاً.
لست
هنا بصدد المقارنة بين أرتريا والسودان فلا مجال للمقارنة ولكنى كمواطن
أستغرب جداً أن تقوم مؤسسة حكومية بهدم عدداً كبيراً من المنازل المبنية
بطريقة حديثة وعلى أراضى مصدقة ومخططة بهذا الحجم وبتلك الطريقة !
نعم
فهل مصلحة وطنية من إختصاصها التيسير للمواطن وتوفير الخدمات له ومن أهم
مرتكزاتها معالجة قضايا التسكين تقوم بالهدم وتستنفر الدولة كلها لتحدى
البسطاء العُزل من المواطنين الذين وضعوا كل ما يملكون فى حياتهم من مال فى
تلك المنازل..!
قمت
بأكثر من بحث حيال كيفية معالجة السكن العشوائى فى أكثر من دولة فوجدت
أنها تجتمع على محاولة معالجة الإشكال بصورة تجنب خُسارة المواطن فتعتمد
سياسة المعالجة للوضع والموازنة بين مهنية التخطيط ورضاء المواطن وتقليل
تكلفة الخسارة بين الأطراف! وهو الحال الذى يتم تطبيقه فى حال السكن
العشوائى فكيف والحال بأن مواطنى مدينة عدى قيح منحت لهم مصلحة الأراضى
الأرض ومنعتهم فقط من البناء عليها وحين طال إنتظارهم قاموا ببناء
المنازل..!
كان
على مصلحة الأراضى إن كانت فى الأصل هى مصلحة أراضى بعمل بدائل كبناء مُدن
بديلة أوأحياء جديدة فى محيط المدينة بدلاً من هدر إمكانيات المواطن أو
المطالبة بدفع رسوم كغرامة على تجاوز المنع أو أى صيغةٍ أخرى توفيقية
كإعادة النظر فى عمليات البناء ومعالجة القصور فيها وهدم ما لايتوافق
والخطط الموضوعة سلفاً لكن أن تتم عمليات الهدم بالجملة فهو عملُ مُريب
لايفعله عاقل فضلاً عن دولة ضد مواطنيها فى هدراٍ للكرامة والقدرات .
لاشك
بأن مسلك هدم المنازل بالصورة التى شهدتها مدينة عدي قيح لم يشهد التاريخ
الإرترى مثيلاً له وبالتالى نستطيع القول بأن ما حدث لم يمت للتخطيط بصلة
بل هو عملُ همجى سيُولد هذا حالة من الإحتقان والتمرد وقد نشهد لهذه الخطوة
تأثيراً فى الحراك السياسى ، وعلى مستوى المدينة فإنها سجلت تراجعاً
مريعاً فى مجال البناء والعُمران وأن الإمكانيات التى هُدرت بفعل النظام
يحتاج المواطن لإستعادتها لسنين ..؟
وهكذا
يتعرى النظام كل صباح وتسقط كل دعاوى الدفاع عن النظام أمام بربرية
حُكمه!! ويتكرر معه للأسف مشهد غياب الحس والشعورالوطنى الموحد وعدم قدرة
القوى الوطنية على إستغلال الأحداث فى توحيد الشعور الوطنى على الأقل والتعاطى مع الأحداث تناولاً !
ولكن وسط هذا الغياب ظلت بعض القوى الوطنية يقظةً متحركة تتابع الأحداث عن
كسب لحظةً بلحظة وعلى رأسها جبهة الثوابت الوطنية التى كانت مثالاً
لشعارها المرفوع (الثوابت الوطنية ) فألف شكرٍ لهم وألف تحية ..!!!
بقلم : محمد رمضان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق