الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

لاجئو كاليه الفرنسية في انتظار وثبتهم الأخيرة إلى «الحلم البريطاني» - القدس

لاجئو كاليه الفرنسية في انتظار وثبتهم الأخيرة إلى «الحلم البريطاني»

جنسيات كثيرة اكبرها السودانيون... ومن طالت إقامتهم هناك يرفعون أعلاما على خيمهم

أغسطس 4, 2015
كاليه (شمال فرنسا) «القدس العربي» ـ من راشد عيسى: من بين أوصاف عديدة أطلقت على مدينة كاليه الواقعة شمال فرنسا قد يكون «عنق الزجاجة» الوصف الأدق للمدينة، التي تغص بلاجئين بذلوا حياتهم وأموالهم رخيصة على الطريق من بلدانهم، مروراً ببلدان عديدة، ولم يبق سوى هذه الخطوة العسيرة كي ينفذوا إلى فضاء «الحلم البريطاني»، أو أرض اللجوء المشتهاة للملايين حول العالم.
كاليه مدينة هادئة، لا يزيد عدد سكانها على السبعين ألفاً، تكاد تكون ميزتها أنها الميناء، أو النفق المفضي إلى الجانب الآخر من الأرض بالنسبة للاجئين، لكل منهم أسبابه في ألا يكتفي بالحلم الأوروبي أو الفرنسي.
لن يحار المرء وهو يزور المدينة في العثور على مواقع اللاجئين وأماكن عيشهم، إن سألت أياً من أبنائها سيشير إليك نحو أمكنة ثلاثة، اثنان صغيران في وسطها، أحدهما ليس سوى جدار كنيسة، والثاني رصيف بناية مهمل، والمكان الأكبر والأساس هو «الجانغل»، وهذا هو الاسم المتداول لمخيم كبير عشوائي بناه اللاجئون لأنفسهم في الغابة بين الأشجار.
حين يخلو المخيم من كثافة اللاجئين سيكون هؤلاء قد انتشروا على أسوار الميناء، أو فوق الأسيجة المتتالية لسكة القطار قبل أن يعبر النفق المتجه إلى بريطانيا. ففي كل يوم سيحاول الواحد منهم مرة أو اثنتين وربما أكثر، بين الميناء، حيث يتعلّق اللاجىء بأسفل الشاحنة، والنفق حيث يلقي بنفسه على قطار البضائع العابر بسرعة كبيرة. هكذا قضى حوالى عشرة أشخاص منذ حزيران/ يونيو الفائت، حين ثارت ضجة إعلامية كبيرة سلطت الضوء على الأزمة المتجددة في كاليه. بل إن ذلك أفضى إلى أزمة على المستوى الدبلوماسي بين البلدين، قد يعبر عنها كلام نائب بريطاني في تغريدة نقلتها صحيفة «الفيغارو»: «كاليه كانت حتى عام 1558 بريطانية، ربما حان الوقت لتعود».
في المخيم ستجد عدداً كبيراً اللاجئين، يقدر هذه الأيام بحوالى ثلاثة آلاف، في رقم غير مسبوق، يفسره البعض بإجراءات أمنية مشددة للغاية أدت إلى أن يعلق هذا الرقم الكبير في الجهة الفرنسية. لاجئون ينتمون إلى بلدان كأفغانستان وأرتيريا وأثيوبيا ومصر والعراق وسوريا، ويكاد العدد الأكبر بينهم يعود إلى السودان.
هنا توضع الخيام على نحو عشوائي، ولكن في تجمعات أهلية، وفي أحوال جد مزرية. هنا خيمة كبيرة للسوريين، وتلك المجموعة الصغيرة المتناثرة من الخيام تعود للأثيوبيين، وذلك الشارع كله للأفغان، فيما ارتفعت بضعة أعلام فوق الخيام، يبدو أنها للأطول إقامة في المخيم، لمن تسنى له أن يتدبر عصا وخرقة ملونة يضعها فوق الخيمة، فالبعض قد يكون له حظ العبور بعد يوم واحد من قدومه إلى المدينة، فيما قد تمتد إقامة البعض الآخر لشهور.
اللافت أن السياسة هنا تختفي، وتحل محلها عذابات محض إنسانية، وسيلتقي في خيمة واحدة، على رصيف واحد من كانوا على طرفي نزاع في البلد الواحد. ذلك يفسره إحساس البشر أثناء حلول كارثة، أو حادث مأساوي، فلطالما جرى وصف حالة المنكوب بأن كل تركيزه سيكون في أمر واحد فقط: الخروج من النفق.

ليست هناك تعليقات: