فقد عظيم برحيل معلم الأجيال
بقلم الأستاذ/ محمد طه توكل *
رحل عن دنيانا الفانية قمةٌ إنسانيةٌ وقيمةٌ مجتمعيةٌ رفيعة. هو رجلٌ أفنى حياته المديدة عمراً وعملاً ومعاملةً بفضل الله في خدمة وطنه وشعبه. وهو معلّم الأجيال ومن السابقين في حقل التعليم والعمل الوطني الحر في إرتريا.
إنّه المربّي الفاضل الأستاذ/ صالح حمدي سلمان تقبله الله في الصدّيقين والشهداء والصالحين حسن أولئك رفيقا. حيث انتقل إلى جوار ربّه صباح الإثنين 27 يولي 2015م إثر مرض ألزمه الفراش في الأشهر الأخيرة. زكان رحمه الله في أيامه الأخيرة يلهج بحمد الله والثناء عليه صابراً محتسباً ولم يصبه الجزع من آلام المرض. وعرف عن الفقيد حسن الخلق وطيب المعشر والانحياز للحق. وظلّ مرتبطاً بالعمل الوطني حتى فارق الحياة وهو يحاول أن يبذل قصارى جهده لنصرة الحق ومواجهة الباطل ومقارعة الديكتاتورية.
أنّ هذه الكلمات لا توفي فقيدنا العظيم حقه. وأنا بحكم علاقتي الشخصية والخاصة بالراحل المرحوم لا تسعفني الكلمات مع ما يعتريني من الحزن والالم لفراقه. وأعزي نفسي وأبناء المرحوم وأبنائه بشير وعبدالرحيم وجمال وزوجتي العزيزة وأخواتها وكل أفراد الأسرة الكريمة والشعب الإرتري عامة.
وأترك سيرة الراحل الأستاذ/ صالح حمدي سلمان تتحدث عنه فهو غني عن التعريف. وقد ولد الراحل بكرن عام 1934م ودرس بها المدرسة الأولية. ثم انتقل إلى أسمرا ليلتحق بمدرسة “بيت قرقيش” الثانوية ضمن الدفعة الثانية وكان فيها من الطلاب المبرزين. ثم درس بمعهد إعداد المعلمين بأسمرا. وبعد التخرج عمل مدرساً بمدرسة “أغردات” ومنها انتقل إلى كرن ثم تنقّل في العديد من المدارس في كافة أنحاء إرتريا بما في ذلك أسمرا ونقفا. تخرّج من معهد إدارة التعليم بأديس أبابا وعين من ثمّ مديراً لمدرسة كرن الابتدائية. ثم التحق بالميدان ليعمل في إدارة المناهج التعليمية مع رفيق دربه الأستاذ/ صالح محمد محمود. وفي الفترة من 1977 إلى 1997م عمل مديراً لإحدى مدارس “اليونيسكو” بمدينة كسلا السودانية التي خرّجت العديد من أبناء اللاجئين الإرتريين.
أمّا سيرة الراحل السياسية فهي مليئة بالفخر والإعزاز. فهو من شباب “الرابطة الإسلامية” الذين ساهموا بوقتهم وعلمهم في اعانة قادة العمل الوطني في الخمسينات في مدينة كرن. ثم التحق للعمل في الخلايا السرية السباعية ل”حركة تحرير إرتريا” المعروفة ب”محبر شوعتي”. وتمت ملاحقته من قبل الأجهزة الأمنية الاستعمارية الإثيوبية وسجن لثلاثة أشهر وطرد من عمله بالتدريس لفترة. وعندما أعيد للتدريس تم نفيه من “كرن” للعمل بمدرسة “نقفا” ثم “أسمرا”.
وبعد اندلاع الثورة الإرترية المسلحة بقيادة البطل الشهيد “حامد عواتي” اختار المناضل صالح حمدي العمل في خلايا “جبهة التحرير الإرترية” السرية. ثم في السبعينات التحق بالميدان للعمل في الجهاز التعليمي للثورة الإرترية. وشغل مناصب عديدة في المجلس التشريعي واللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الإرترية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وبعد أن تقدم باستقالته من العمل الرسمي في جبهة واصل عمله الوطني في مواقع مختلفة منها عمله في تفعيل وتنظيم النشاط السياسي في مدينة “ملبورن” الأسترالية التي انتقل إليها في عام 2008م. كامن عضواً في الملتقى الوطني للتغيير الديمقراطي في 2010. وانتخب عضواً في المفوضية الوطنية للتغيير الديمقراطي التي أعدّت للمؤتمر الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي والذي انعقد ب”أواسا” في عام 2011م. واعتذر عن عدم قبول الترشح لعضوية “المجلس الوطني” المنبثق عن المؤتمر وفضل تقديم الشباب لتلك المهمة النضالية رغم إلحاح الجميع.
أمّا سيرته الاجتماعية فهي كذلك غنية وثرة بمقدار ما عاشه من عمر أمدّ الله فيه وبارك له فيه عمله وتفاعله مع مجتمعه حيثما حلّ وأقام. فهو معروف بروحه التوافقية والتواقة لخدمة أهله ومجتمعه الإرتري الكبير. وكان رجلاً محترماً يقدّمه الناس في كل شؤونهم ويأتمنونه في القيام بها. وكان له دوراً قيادياً في مجتمعه في إرتريا والسودان وأستراليا. وفي مدينة “ملبورن” عمل على اعادة وحدة الجالية الإرترية التي كانت منقسمة على نفسها. وعمل بحكمته في حلّ معظم المشكلات الاجتماعية التي تصدى لها بتوفيق من الله. وكان يلقى قبولاً حسناً من الناس ونسأل الله أن يلقى قبولاً عند ربه وأن يثبّته عند السؤال وأن يجعل قبره روضةً من رياض الجنة وأن يوسع مدخله وأن يبدله داراً خيراً من داره وأن يجزيه عن عظيم أعماله الجليلة جنات الخلد. طبت حياً وميتاً أيها المربي الفاضل. (إنّا لله وإنّا إليه راجعون).
*مدير المكتب القاري لوكالة الأناضول التركية للأنباء بأديس أبابا ورئيس مركز الخليج للخدمات الإعلامية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق