حوار مع الشيخ عثمان الأمين عثمان “مفتي أريتريا”
26/7/2015قلَّل الشيخ عثمانُ الأمين عثمان مفتي أريتريا من شأن التقارير الإعلامية التي تُشيرُ إلى معاناة مسلمي أريتريا من ممارسات تمييزيَّةٍ وتهجيرٍ، تتم في صفوفهم من قِبلِ الحكومة الأريترية.
لافتًا إلى أن المسلمين يَحظَوْن بمعاملة جيدةٍ جدًّا من قِبلِ النظام الحاكم، ولا يواجهون أيَّ إجراءات استثنائية، بل إنهم يشاركون بقوة في حكم البلاد، وتُسنَدُ إليهم مناصبُ رفيعة؛ مثل: وزارتي الداخليَّة والخارجيَّة.
وتابَعَ الأمينُ في حواره مع “الألوكة” بالتأكيد على أن الأوضاع الاقتصاديَّة الصعبة التي يعاني منها مسلمو أريتريا لا تختلف عن الأوضاع بشكل عام في أريتريا، ولا يخصُّهم وحدَهم؛ فسنوات الاحتلال وما تلاها من تربُّص إثيوبيٍّ بالدولة الوليدة خلق نوعًا من الضائقة الاقتصادية رغم الجهود التي تمارسها حكومة أسمرة لتحسين هذه الأوضاع.
ونفى مفتي أريتريا ما يتردد عن تعرُّضِ اللغة العربية لمؤامرات شديدة لصالح اللغة التيجرانية، مشدِّدًا على أن العربية تُعدُّ من اللغات الرسمية المعترَفِ بها في أريتريا، غير أنها تواجه مشاكلَ عديدة، منها: افتقاد الكوادر القادرة على تعليمها، وكذلك معاناةُ مؤسساتها من تدهور بفعل الأوضاع الاقتصادية.
وأكد الشيخ عثمان الأمين حرصَ بلاده على عَلاقاتٍ قوية مع دول الجِوار، لا سيما السودان وجنوب السودان واليمن، وكذلك جميعُ دول الجِوار العربيِّ، مشدِّدًا على أن عَلاقاتِ بلاده مع بعض دول الجوار تجاوزت محطةَ التوتر.
التفاصيل الكاملة للحوار مع مفتي أريتريا في السطور التالية..
نرجو في البداية من سيادتكم إلقاء الضوء على أوضاع المسلمين في أريتريا؟
• ما من شك في أن حصولَ أريتريا على استقلالها من الاحتلال الإثيوبي قد أسهمَ في تخفيف الضغوط الشديدة التي كان يمارسُها الحكمُ الإثيوبيُّ، سواء إبَّان عهد هيلا سيلاسي الذي تفنَّن في محاولاتِ تصفيةِ الوجود الإسلاميِّ، سواءٌ في إثيوبيا أو أريتريا، ونظام منجستو هيلامريام الذي توسَّع في نفس إجراءات التصفية، والذي أحدث شكلاً أكثر عنفًا على يد العصابة الشيوعيَّة التي أحكمت السيطرةَ على الأوضاع السياسية في العاصمة أديس أبابا، وعَمِلَ النظام على تجفيف منابع الإسلام حتى نجحت حربُ التحرير في تحقيق استقلال أريتريا، واستعادةِ المسلمين لدورهم الذي عمل الإثيوبيون طَوالَ سنوات الاحتلال على القضاء عليه.
لكن العديد من المراقبين يرون أن هذه الأوضاع لم تتغير، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي بل زادت سوءًا؟
• هذه الروايات غير صحيحة، وتعوزُها الدقةُ؛ فالأوضاع الاقتصادية المعقَّدة يعاني منها أغلب الأريتريين، وفي مقدمتهم المسلمون الذين يشكلون أكثرَ من 80% من سكان أريتريا البالغِ تَعدادُهم حوالي 4.5 مليون نسمة؛ حيث أسهم الاحتلال الإثيوبيُّ وحرب التحرير وما تلاها من مواجهات مع الإثيوبيين في تأثُّرِ أوضاع البلاد بالسلب، رغم الجهود التي تبذلها حكومة أسمرة لتحسين هذه الأوضاع.
أليس من المستغرب أن يشكِّل المسلمون 80% من سكان أريتريا في وقت يحكمُها مَسيحيٌّ أرثوذكسيٌّ؟
• أَلمحُ في حديثك لهجةً تشير إلى وجود نوع من احتكارِ الحكم في أوساط الأريتريين، وهو أمرٌ غير مقبول؛ فالرئيس أفورقي أمين أبرز قادة حرب التحرير التي استمرت ثلاثين عامًا، ولهذا الرئيس تاريخٌ نضاليٌّ جعَلَه يتبوَّأُ هذا المنصبَ الرفيع الذي وصل إليه كونه لعب دورًا مهمًّا في التحرير، وليس كونه مسيحيًّا كما يدَّعي البعض. وأقول – بملء الفم -: إن احتمالات وصولِ مسلم إلى سُدَّة الحكم في أريتريا غيرُ مستبعدة إطلاقًا.
رغم لهجتك المتفائلة فإن العديد من التقارير تتحدث عن اضطهاد المسلمين وحرمانهم من الوصول لمناصب رفيعة؟
• هذه التقارير تضعها جهات مُعادية لأريتريا وللمسلمين في وقت واحد؛ سعيًا لتوظيفها لتحقيق أجندة سياسية، ومع هذا فأقول: إن هذا الطرحَ غيرُ دقيق؛ فالمسلمون يمارسون دورًا سياسيًّا بارزًا في أريتريا؛ فالعديد من المناصب الوزارية الرفيعة أُسنِدت لهم، وفي مقدمتها وزارات الداخلية والخارجية والتعليم، التي يشغلها مسلمون، فضلاً عن أن أبرز سفراء أريتريا في الخارج مسلمون، وهو ما يدحضُ ما تذهب إليه هذه التقارير المشبوهة، التي لا هم لها إلا إشعال الاضطرابات في الدول التي تسير في فلك بعض القوى وتتبنى سياسات تخدُمُ مصالحها وأمنَها القومي.
غير أن هذا النفيَ لا ينكر وجودَ إجراءات عنيفة ضد المسلمين، وعلى رأسها عمليات تهجير وتشريد وتمييز ضد المسلمين، وسطو على مساجدهم، وتحويل بعضها إلى كنائس؟
• لا أدري من أين تَستقي هذه المعلومات التي تفتقد إلى الدقة، فلا تمارَسُ أيُّ سياسات تمييزية ضد المسلمين الذين يعيشون في وئام وسلام واستقرار، شأنُهم شأنُ ملايين الأريتريين، والدستور الأريتري لا يفرِّق بين أي مواطن وآخرَ طبقًا لدينه، وما أقوله ينطبق على ما تدَّعيه من تهجير وتشريد في صفوف المسلمين، وأقول – بملء الفم -: إن الدولة لم تصادر أية أملاك للمسلمين، أو تضع يديها على مساجدهم، أو تبنِ مكانها كنائس؛ فهي ليس لها عَلاقة ببناء المساجد أو الكنائس على حد سواء.
لغة رسمية:
كانت اللغة العربية من اللغات الرسمية المعترف بها في أريتريا، وهو ما تغير بعد القرار الحكومي باعتبار التيجرانية اللغة الرسمية؟
• اعتبار التيجرانية اللغة الرسمية لم يؤثر بالسلب على اللغة العربية التي ما زالت تحظى بالاعتراف كإحدى اللغات التسع الموجودة في البلاد، فضلاً عن أن مؤسسات اللغة العربية مفتوحة، وتحظى بحرية كاملة، ولا يمارَسُ ضدَّها أَيَّةُ ضغوط، غير أن المشكلة في هذا الإطار هي افتقادُ الكوادر القادرةِ على تعليم أبناء مسلمي أريتريا لغةَ القرآن الكريم ومبادئَها؛ ليتسنَّى لهم فهمُ دينهم، والحفاظ على هويتهم، وليس هذا جل ما نحتاجه؛ فالمساجد في أريتريا التي أعملت فيها قوات الاحتلال الإثيوبي التدمير تعاني انهيارًا تامًّا، نحتاج لإمكانات مالية كبيرة لإعادة بنائها وترميمها، وهو ما نفتقده حاليًّا، ونأمل في وصول الدعم العربي والإسلامي للبدء في مشروع متكامل لإعادة هذه المساجد إلى العمل واستقبال المصلين وإقامة الشعائر بها؟
منح دراسية:
في ظل هذه المعاناة نرجو أن تلقي لنا الضوء على مؤسسات التعليم الديني في أريتريا؟
• من الطبيعي أن يتأثَّرَ التعليم بشدة جَرَّاء الظروف الصعبة التي تمرُّ بها أريتريا، ومع هذا فلدينا عشرة معاهد دينية تدرِّسُ مبادئَ الإسلام وعلومَه المختلفة، ويحظى أربعةٌ منها باعترافٍ من قِبَلِ الأزهر الشريف، الذي يشرف على هذه المعاهد، ويقدم لنا المدرسين والكتب الدراسية، ويقبل طلاب هذه المعاهد لاستكمال التعليم الجامعي بدون معادلة، بالمقارنة مع المعاهد الستة الأخرى.
كما يمنَحُ الأزهر أكثرَ من 10 منحٍ سنويًّا لأبناء أريتريا لاستكمال تعليمهم به، بهدف إبقاء الصلات بين شعبِنا ودينه الحنيف، ومع هذا فنحن نرغب في مضاعفة هذه المنح، في ظل معاناتنا الشديدة من نقص الكوادر القادرة والأئمة والخطباء القادرين على تنمية الوعي الديني لدى مسلمي أريتريا.
موانع دستورية:
ما من شك في أن الظروف المعقَّدة التي يعاني منها الشعب الأريتري تعطي فرصة لمنظمات التنصير لنفث سمومها؟
• من فضل الله أن الدستور الأريتري قد جرم التبشير بكافة أشكاله، لا سيما التبشير بالإغراء، وبالتالي فقد منعت المنظمات التبشيرية من العمل في أريتريا رغم سعيِها الدؤوب وتسترِها بمزاعمِ تقديم الدعم الإنساني للمحتاجين، وهو ما حاصر هذا النشاط، وحافظ على هُويَّة مسلمي البلاد، لدرجة أننا لم نسمَعْ – كجهةٍ فتويَّة رسمية – عن ارتداد أي مسلم أريتري عن دينه واعتناقه أيَّ دين آخر.
سحابة صيف:
منذ حصول أريتريا على استقلالها وهي تثير القلاقل مع دول الجوار، تارة مع السودان، وأخرى مع اليمن، رغم أن البعض راهن على عروبة وإسلامية هذا البلد؟
• علاقتنا بالسودان واليمن تحكمُها صلاتٌ تاريخية وجذرية، وما حدث مع البلدين لا يتجاوز سحابة صيف، وانتهت، سواء بقبول الطرفين التحكيم الدولي حول جزر حنيش، أو بإعادة العلاقات مع السودان وجنوب السودان لمسارها الطبيعي.
ومن ثَمَّ فإن هناك تصميمًا أريتريًّا على تطبيع العلاقات مع هذه الدول، بشرط احترام سيادة كلٍّ منا للآخر، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وأقول لك مطمئِنًا: إن علاقات أريتريا مع جميع الدول تسير في إطارها الصحيح، وقد تطورت في السنوات الأخيرة بشكل جيد، وزار الرئيسُ أفورقي عديدًا من الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية، وهو ما يشير إلى مراهنة أريتريا على علاقات وطيدة وجيدة مع جوارها العربي والإفريقي.
ابتلاع القدس:
في نفس الإطار، وما دمنا نتحدث عن هوية أريتريا العربية والإسلامية، فإننا لا نلاحظ تفاعلاً بين الشعب الأريتري وقضايا العالم الإسلامي؟
• المسلمون في أريتريا يتفاعلون بقوة مع معظم القضايا الإسلامية، لا سيما قضايا الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها العدوان على غزة، والحملة على عروبة القدس الشريف؛ حيث نظمت العديد من الهيئات الإسلامية فَعالِيات عديدة وتظاهرات تُدين مساعي إسرائيل لتهويد القدس ومحاصرتِه بالمستوطنات باعتباره عدوانًا سافرًا على المسلمين في كافة أنحاء العالم، ويتكرر نفسُ الأمر فيما يخص أيَّةَ إساءةٍ للإسلام، أو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث خرج مسلمو أريتريا عن بكرةِ أبيهم في مظاهرات تُدينُ هذا الإجرام، وتطالب بردعه؛ لذا فإن تفاعل مسلمي أريتريا مع القضايا الإسلامية واضح، وينمُّ عن ارتباط هذا الشعب بقضايا أمته، بل إننا نادينا كثيرًا بضرورة تحمل الأمة الإسلامية لمسؤوليتها نحو القدس والمسجد الأقصى، حتى لا تنجحَ إسرائيل في استغلال انشغال العالم الإسلامي بعديد من القضايا لابتلاع القدس ومسجدها المقدس لدى العالم الإسلامي.
المصدر: الالولة
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/world_muslims/0/89556/#ixzz3h9hluFfU
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق