الحرب إن وقعت؟
يتذكر
الجميع كيف انتاب رأس النظام "إسياس" حال من الذعر أثناء الحرب الأخيرة
على مصيره الشخصي قبل مصير الوطن. لذلك، فكر أول ما فكر فيه، كيف يبقي على
رأسه بالهروب، فأصدر أوامره المتهورة بانسحاب من كافة الجبهات دون أن يراجع
قيادات الجيش، وكانت من بين تلك الجبهات، جبهة "بوري"، والتي كانت أولى
الخطوط للدفاع عن "عصب".
وعلى
ذلك النحو المذري، وبسبب رعونته وتفرده بالقرار، كان هو المسئول في أن
تهتك كرامة الوطن وكبرياء المقاتل الإرتري الذي خرج رافع الرأس من الحرب
التي استمرت لثلاثة عقود، فكادت أن تقع كارثة الاحتلال من أول وجديد، لولا
ان إثيوبيا أمرت بالتوقف والتراجع تحت ذلك الضغط الدولي المتوافق من القوى
الكبرى، ليس من أجل أن لا يسقط هو برأسه، بل بأن لا يخرج الوضع من
السيطرة وتنشأ دولة فاشلة ثانية في المنطقة بعد الصومال.
ولولا
ذلك الموقف الدولي من الحرب، لحسم أمر "إسياس" ولتدحرج من على عرشه، وفي
حال نجاته لحل هاربا ومشردا في جحره، في"عمبربب"، لأنه وفي ذلك الوقت نقل
ومن على ألسنة المقربين منه، انه هذى بإحدى العبارتين، لن نستسلم حتى لو
اضطررنا أن ننسحب إلى الساحل، أو هيا بنا ننسحب إلى الساحل!.
ومنذ
ذلك الوقت، تعيش إثيوبيا نشوة المنتصر بعدما سقت "إسياس" كأس الهزيمة
المذلة بالجرعة الواحدة، أو فازت عليه بالضربة القاضية والتثبيت بالأكتاف،
كما يقال في حال المصارعة الحرة، ثم توقفت حيث بلغت في حدود ذلك الإنجاز
الباهر بعدما بلعت "بادمي" وقضمت ما تسير لها من الأراضي على امتداد
الحدود.
أيضا، ومنذ ذلك الوقت، لم تفعل إثيوبيا شيئا ذا شأن، غير أنها اختارت بأن تكرر على مسامعنا التهديد والوعيد وراء التهديد والوعيد، وان سئلت
لماذا هذه السلبية وهذه الفرجة على ما يحدث لنا ولك، فتقولانها تنتظر
اللحظة التي يستفحل فيها جنون "إسياس" ويتهور ويرتكب حماقة كحماقته عندما
تلبسته هستيريا النرجسية الفارغة وهرطق هرطقته المضحكة، لن ننسحب من
"بادمي" حتى لو أطلت الشمس من الغرب!.
أما عندما تأخر جنونه ثم تهوره، اكتفت إثيوبيا بتكرار انها لن
تسكت على تجاوزاته، وانها لن تسمح له بأن يزعزع استقرار المنطقة، وانها
سوف تتخذ الإجراءات الملائمة للحد من تجاوزاته المتكررة، أو انها لن تبقى
متفرجة على عربدته، وانها تنتظر أن يطرأ خطأ ما في حساباته لتجهز عليه
برصاصة الرحمة، مرة وإلى الأبد، وهكذا!.
أحيانا،
تتمادى إثيوبيا في أكاذيبها وفي مناوراتها المتكررة، فتقول انها لن تسكت
على ما يعانيه الشعب في إرتريا، وانها لن تسكت على ما يخلق النظام المارق
والمعزول من الاضطرابات وعدم الاستقرار في جيبوتي والصومال ودول المنطقة!.
من
جانبه، يكرر "إسياس"، كلما وجد من يستمعون إليه، فيقول مهددا إن صبر
إرتريا يتآكل، أو انه لا ولن يقبل التفاوض بعد التحكيم الدولي على مناطق
النزاع في الحدود، أو يعود ويناشد المجتمع الدولي بان يطلب من إثيوبيا
تحقيق الانسحاب من الأراضي السيادية المحتلة، وعندما يجد مناشداته تلك تذهب
أدراج الرياح، يقول انظروا إلى هذا الانحياز من المجتمع الدولي الذي يحابي
إثيوبيا ويتآمر على إرتريا، لأنه يتخاذل في تعامله معها، لأنه لا يضطلع
بمسئولياته لإجبارها لتسحب من "بادمي"، مع أنه يدرك أن ذلك حلم إبليس في
بالجنة!.
في
بعض الأوقات يحدث بان يلمح "إسياس" مظهر من مظاهر عدم الاستقرار السياسي
في إثيوبيا، فتنتعش آماله بالخلاص، ويشغل نفسه بالإكثار والتصعيد من وتيرة
الظهور على الإعلام ويكرر المرة بعد المرات نفس الموال، وخاصة إذا توهم
وأعتقد ان قبضة "وياني" أصابها الوهن أو التراخى
على أركان السلطة لصالح ذلك الائتلاف البائس والمهلهل والمنشق على نفسه،
والذي يتشكل من 80 جماعة من الجماعات العرقية المتنافرة المنشقة على نفسها
بين الأصوات التي تنادي بتحقيق البرامج الوطنية الشاملة والأخرى التي تركز
على القاعدة العرقية التي تطالب بتسكين الاستحقاقات الدستورية المعلنة في
الإدارات المحلية أو "كليلالا".
ان
المفارقة هنا، وهي التي تبدو في الأمر الوحيد، والذي يحسب لـ"إسياس"
وبالذات في هذه الجزئية اليتيمة، انه هو الطرف الجاد والمصر على تحقيق
أهدافه في أن تسوء أوضاع السياسة في إثيوبيا، ولذلك هو مستمر بما يقدر عليه
من التخريب بالدعم والدفع للمعارضة الإثيوبية بما يتوفر له من الوسائل
والإمكانيات، بالتعبئة الإيديولوجية والسياسية والحشد والتدريب والتسليح،
حتى بلغ في سعيه إلى ذلك المستوى الذي مكنه أن جعل من تلك المعارضة المسلحة
"دمحيت" و"جينبوت سبات" القوة الحقيقية الفاعلة على الأرض، بعدما استثمر
فيها وانفق عليها بسخاء من مال الشعب، وأدخل تشكيلاتها ضمن تشكيلات الجيش
الوطني، وأسس لها القيادة والسيطرة الموحدة، نفس السياسة التي أتبعها في
أيام الثورة، عندما استقوى بـ"وياني" وأقصى الجبهات الوطنية، بل جعل منها
الآن سيفا مسلطا على رقاب الشعب، بعدما أصبحت هي لديه من الولاء والثقة
بدأت تضطلع بتنفيذ كل الأعمال القذرة، من التجنيد الإجباري والخطف
والتعذيب.
وعلى
الجانب المقابل، نرى ان إثيوبيا غير جادة في مواقفها من النظام، ولذلك
أخفقت بأن تنجز الانجاز المتوقع والمنتظر منها، غير انها جمعت وحشدت ذلك
العدد الكبير من أطراف المعارضة الإرترية، واقتصر سعيها على تسهيل العقد
للمؤتمرات والندوات التي لا يتجاوز تأثيرها قاعات الفنادق والأندية
والمنتديات، فخلقت بعد تلك المدة الطويلة المعارضة الاسمية المصابة بأمراض
الاختلاف والتشرذم والفرقة، تلك الآفات التي تخرج إلى السطح بالعديد من
الرؤوس، تشكلها وتتلاعب بها كيف ما أرادت، ضمن أجندتها السرية، ولكن
المؤكد، ليس إحداها إسقاط النظام بالفعل العسكري الفوري والجاد يعجل من
إصلاح أمور السياسة والسلطة في إرتريا.
النتيجة، أصابنا اليأس والملل ونحن نستمع إلى كل طرف من الطرفين يستغل بين الفينة والفينة المناسبات
الموسمية، وتبادل الاتهامات والدفع بالحشود بين الحين والآخر، أو التلويح
من البعيد للمعارضات باتجاه الطرف الآخر والبحث عن الذرائع هنا وهناك،
لإبقاء فتيل أزمة الحرب ولا الحرب مشتعل.
الفكرة
هي، إذا حدث واندلعت الحرب لن تكون كسابقتها دون أن تؤدي إلى المتأمل من
النتائج الحاسمة على النظامين أو أحداهما، بعدما وصل النظامان وكذلك
المجتمع الدولي إلى القناعة بأن زاول أحدهما الضرورة لبقاء الآخر، لأن
الواقع الداخلي للطرفين لا يحتمل إلا الحسم المنتظر بفارغ الصبر وبشدة من
قبل الشعبين الإرتري والإثيوبي.
وإذا
حصل ونشبت الحرب، فإنها بالتأـكيد سوف تكون في صالح إثيوبيا والتي نتوقع
أنها سوف تضع يديها القابضة على "عصب" لتحتفظ بها كما احتفظت بـ"بادمي"
والعديد من المناطق على امتداد الحدود.
هل
ذلك ممكن؟، نعم، لأن ذلك ممكن، لأنه متاح ومتوفر بقوة بالنظر إلى ما
يعانيه الجيش الإرتري من التآكل والضعف، هذا أولا، أما ثانيا، ان ذلك ممكن،
لأنه متاح ومتوفر بالنظر إلى أوضاع النظام الدولي المتراخي والمنشغل
بالعديد من الأزمات، وحينه لن يتوفر أمام "إٍسياس" أية حيلة غير أن يناشد
أو يهدد، كما يفعل الآن في حال "بادمي"، لأنه لن تأتيه أية إغاثة أو إنقاذ
من الدول الكبرى كما أتته في المرة السابقة.
مبارك عليكم العيد
محمد عثمان حمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق