الجنرال بنجوس(5)
بقلم: محمد علي نور حسين
الحلقات نقلاً عن موقع فرجت
مع أول
خيوط فجر اليوم الثالث .. وانا احتسي شاي الصباح تحت إحدى اشجار المحمية
الظليلة .. بمزاج خلفته الليلة السابقة .. سمعت صوت احد رجالي يركض نحوي
هاتفا.. سعادة الجنرال.. لقد إنتحر الجنرال الخائن .. ما الذي تقوله ايها
المعتوه .. اي جنرال فيهم الذي انتحر؟ واين كنتم ايها الكسالة .. كنت اعلم
انني لا استطيع الثقة بكم في مثل هذه المهمات الصعبة.. قل لي من الذي إنتحر
من هؤلاء الخونة ؟ قال الإسم الوحيد الذي كنت اتمنى ان لا يقوله ..الجنرال
(علي) .. تبا لي من انسان غير محظوظ .. لمن لا يعرف الجنرال (علي) هو احد
اعظم مناضلين الثورة الاريترية .. شخصية لا تعرف غير الوطن.. الوطن فقط ..
عاش من اجله .. ومات من اجله ..كما يظن .. اعتقد ان الخاسر الاكبر في
انتحار الجنرال (علي) هو أنا .. لقد كنت انوي ان استجوبه بطريقة خاصة ..
إستجواب الكبار والوطنين .. حرمني من متعتي .. من المجد ..ومن رسم لوحة
اخيرة خاصة.. كنت انوي الاحتفاظ بها لوقت اعلم انني سأحتاج فيه للذكريات
كوقود لأواصل سيري في الحياة.. تبا له .
جلست في مكاني وانا
لا اصدق ما سمعت .. ولا اصدق انني اختصرت حياة الجنرال (علي) في كلمات …
هل هذه هي الحقيقة ؟ هل هذا ما تمنيت ؟ ان أستجوبه استجواب الكبار فقط ؟ لا
ابدا.. احسست بأن رأسي سينفجر من كثرة التفكير والضغط .. اغمضت عيني وانا
احاول البحث عن بعض الهدوء .. فقد بداءت ثورة داخل عقلي من قِبل سُكانه..
الكُل لديه مطالب .. وانا عاجزا عن الحديث إليهم وتهدأتهم حتى… أحاول النوم
.. راسي سينفجر ..أتنفس بهدوء .. اغمض عيني ..أسمعٌ أصوات العصافير ..
هناك عصفورا فوقي مباشرة .. أركز معه .. هذه الشجرة لا يوجد فيها غيري انا
والعصفور .. احاول ان اطير بعيدا.. نعم .. شهيق .. زفير .. انا الان اطير
بين السحاب .
امسكت
الملف الخاص بالجنرال الخائن وانا لا انوي غير الشر.. لن انتظر الغد ..
أمرت إثنين من الرجال ان يستعدو .. قالو لي يجب ان تأخذ قسطا من الراحة
لانه يبدو عليك التعب .. لا لا لا .. قلتها بأعلى صوتي وانا اتقطع غضبا
..إرتعب الرجال .. اسرعو بتنفيذ اوامري.. فلا يجدر بهم النقاش ابدا.. كنت
انوي ان اقتله ان اقطعه قطعا صغيرة وارميه لضباع المحمية .. عشاءا هنيا ..
تم ربطه من رجليه مقلوبا ورأسه يكاد يلمس الارض .. كان عاريا كما ولدته امه
.. لم يستطع الكلام كان في شبه غيبوبة… هل تعرف من انا ؟ هل تدرك ما
سأفعله بك؟ تبا لك من عجوزا غبي … هل حاولت ان تفكر في ما سيجري لك قبل ان
تشارك في هذا الانقلاب الفاشل ؟ هل منحت نفسك فرصة الاختيار ان تموت وانت
مناضل كما عرفك اهلك وأصدقائك؟ ان تموت وانت تملك تاريخا مشرفا ..ان يذكرك
رفاق النضال امام ابنائك بالبطل ويُحكى لهم عن بطولاتك وتضحياتك.. لا طبعا
لم تفكر في كل هذا ..لأن شيطانك كان قد وصل مرحلة الجنون والنسيان ..اقسم
لك انك ستندم على انك حي حتى الان… لا لن اقوم بتعذيبك جسديا .. ابدا ..
امرت من احد الرجال ان يأتي بالمراة التي تم احضارها قبل ساعة .. احضروها
سريعا .. لم تكن تدري ما فعلت او ما الذي يحدث من الاساس .. هل هناك شخص
قام بالتبليغ عنها؟ .. هل قام ابنها بالهرب من معسكر التدريب (ساوا)؟..
ماذا اقترفت حتى تأتو بي لهذا المكان؟ … يالهم من اغبياء هؤلاء القروين..
الا يعلمون أن .. الخير يخص و الشر يعم .. رأت الشخص المعلق في منتصف غرفة
الاستجواب وبكت .. لم تكن تعرف انه اخوها الاكبر حتى عندما زرفت دموعها
سخية من اجله .. هذا الشخص المعلق هو اخوك وهو مشترك في انقلاب ضد رئيس
البلاد ومطلوب منه الاعتراف بكل تفاصيل الانقلاب ومدبريه.. وسوف ينظر في
امره .. ولن يتم اعدامه إذا اعترف .. لم تستطع ان تتمالك نفسها واغمي عليها
من الصدمة عندما تأكدت ان الشخص المعلق في منتصف الغرفة هو اخوها وليس
شخصا اخر … لم يكن من صالحي ان اتأخر في الوقت .. لذا امرت من الرجال ان
يعملو على افاقتها سريعا حتى نكمل عملنا .. هل تدري ما الذي سأفعله باختك
إذا لم تعترف ؟ واتمنى ان لا تعترف ابدا .. حتى استطيع ان اقول لك يا نسيبي
بعد تسعة اشهر .. ضحكت شامتا غاضبا .. كان ينظر لي كانه يرى شيطانا وليس
انسان .. مذهولا خائفا من القادم اخرج كلماته.. سوف اعترف لك بكل شيئ فقط
لا تفعل شيئا باختي ارجوك.. انا اسف ولكن يجب ان يٌفعل بها ما يدور في راسك
.. اوعدك انني انا شخصيا لن افعل بها شيئا .. فهنا يوجد اشخاص متعطشون
لمثل هذه الامور .. ويأخذون عليها رواتبا منا..كانت اخته قد فاقت من
غيبوبتها القصيرة لتجد ان اخاها يبكي مترجيا ان لا يُفعل بها شيئ وهو مستعد
ان يعترف لنا بكل ما نريد .. شكرا.. لا نُريد اعترافا منك .. نُريدك ان
تذوق الذُل وترى الشرف يُأخذ من أختك كأنه لُعبة .. تم تثبيتها على الأرض
وهي تصرخ بإسم اخيها مستنجدة .. تم تجريدها من ملابسها بالقوة وهي مستميتة
في الدفاع عن شرفها .. يحسب لها انها قاومت .. لم يكن هذا الجزء غير بداية
الاحتفال بالنسبة لي.. تم اغتصابها امام اخيها الذي كان يحاول ان يقول
شيئا .. ولكن لم يستطع .. اعتقد ان الذهول والألم منعاه من ان يعبر عن ما
في نفسه ولو بالصراخ.. اشار لي احد الرجال ان الجنرال لم يعد يتحرك او
يقاوم .. إقتربت منه ببطئ لأجد انه لا يبدي اي حركة تدل على انه حي ..اقترب
احد الرجال منه ايضا ليتأكد من انه لا يقوم بعمل خدعة ما .. امسك يده
وجس نبضه ليقول لنا .. مات الجنرال ..مات ؟ عتقد انه اصيب بصدمة او بجلطة
او …. المهم انه مات .. كانت اخته في ركن الغرفة تحاول ان تستر ما تبقى من
جسدها المبعثر بين رجال الفريق الذين تناوبو في اغتصابها .. حاولت ان تكذب
ما سمعت بأن تنظر إلينا وتقرأ غير ذلك في وجوهنا.. ولكن كان التأكيد
عنوانا في وجوهنا .. كانت تحاول ان تصرخ.. ان تبكي غير الشرف قتيلا ..لم
تستطع هي ايضا ان تصرخ لتعبر عن المها .. ضربت رأسها بالحائط عساها تفيق من
اللا ممكن والمستحيل .. سال دمها على ثيابها غزيرا .. معطيا الإغتصاب
شرعية فعل الزوج, بأهم ليلة في حياة انثى .. نظرت في عيني وهي تحاول ان تقف
.. لم تستطع .. إنكسرت من الداخل قبل الخارج .. لم تكن تملك القوة لان تقف
.. ولكن صرخت بكل ما تملك من قوة قائلة .. انت قاتل .. انت لست إنسان
..انت قاتل .. انت من قتلت اخي (علي).
سعادة الجنرال ..
سيدي .. كان صدى الصوت يقترب مني كانه خائفا من شيئا ما .. لم اتبين الصوت
.. اعتقد انني نائم .. انا احلم .. سيدي .. شعرت بشخص يهز كتفي بصورة قوية
ويقول لي .. إستيقظ يا سعادة الجنرال .. هنالك مكالمة لك من وزير الدفاع..
سيدي الجنرال .. تبا لك .. ألا تعلم ان العودة من عالم الأموات تحتاج وقتا ؟
إمنحني الوقت يا ابن الكلب .. اتريد أن أجن في منتصف طريق العودة ؟ ..
تمكنت من فتح عيني بصعوبة وأنا احاول التركيز في وجه من هو امامي.. ماذا
تريد يا وجه النحس .. ألم تكن انت من أتى لي بخبر إنتحار الجنرال (علي)؟..
قال نعم ..قلت قبح الرب وجهك .. ماذا تريد الان ؟.. أنا اسف وزير الدفاع
يطلبك في الهاتف..وزير الدفاع ؟ إذا لماذا لم يتصل على رقم جوالي ؟.. قال
انك لا ترد على مكالماته.. امسكت بهاتفي ونظرت للمكالمات التي لم يتم الرد
عليها .. عشرة مكالمات من وزير الدفاع .. مابه هذا السكير .. عشرة مكالمات!
تبا له .. ماذا يريد؟..هل تحدث احدكم معه عن انتحار الجنرال (علي)؟ .. لا
ياسيدي لم نتحدث معه عن اي شيئ .. أبدا.. هل انت واثق انه لن يتحدث اي من
افراد الفريق مع وزير الدفاع ؟.. اقسم لك يا سيدي انه لم يتحدث احد منا عن
ما يدور هنا مع اي شخص كان ..حسناً, يجب أن يخاف منك جنودك وإلا فلن تجد
الإحترام ما حيت .. نعم يا سيدي انا اعلم ذلك .. هل انت غبي ؟ .. أنا لم
اكن اتحدث إليك ..انني اتحدث لمن يقرأ هذه القصة .. لأنني اعتقد أنه في يوم
من الايام سيأتي شخص ما .. وينفذ ما قرأه في هذه القصة .أليس كذلك ؟.. نعم
.
اتصلت على وزير
الدفاع وأنا اعلم انه يريد أن يطمئن على سير الامور فقط.. كان غاضبا من عدم
ردي على مكالماته .. ولم اهتم .. قال لي انه يريد أن يطلب مني شيئا مهما
جدا .. ولكنه لا يستطيع الحديث في الهاتف .. يجب ان نلتقي وسريعا .. عن
نفسي لا احب مثل هذه الامور فلا يوجد ما هو سر في هذه البلد .. خاصة عن
مكتب الاستخبارات.. مكتب الاستخبارت له عيون في كل مكان في البلد حتى في
بيتك وفي غرفة نومك .. ويقدم تقريره لرئيس فقط .. إذا يجب احذر من هذا
السكير حتى احافظ على نفسي من الهلاك .
بعد
حوالي ساعة من مكالمتي مع وزير الدفاع ..اتصل علي مرة اخرى ليقول لي انه
في طريقه للمحمية .. اعتقد انني سأموت بسبب هذا السكير الخرف الذي لا يعرف
اي شيئ عن قوانين وضوابط الجيش والتسلسل المفترض إتباعه في العمل العسكري
.. خاصة في بلدنا هذا .. الرئيس هو الأمر الناهي .. يجب ان تستأذن منه حتى
تتحرك من مكانك لاي مكان اخر .. وانا اشك ان يكون هذا السكير قد قام
بتبليغ الرئيس بوجهته.. بعد حوالي الثلاثة ساعات كانت هليكوبتر وزير الدفاع
تهبط في المحمية مسببة نوعا من عدم الاستقرار لنا ولسكان المحمية من
الحيوانات بسبب صوتها المزعج .. اعتقد ان هذه الهليكوبتر كانت من ضمن ما
نسيها الجيش الاثيوبي وهو يفر من البلاد.. جلسنا تحت الشجرة التي منحتني
إذن الإنتقام من الجنرال (علي).. ابتداء كلامه بانه يجب علينا العمل من اجل
مصلحة الوطن ومن اجل الحزب ومن اجل الرئيس .. نعم لم يأتي بذكر الشعب
الفقير .. ارجو منك ان تقول لي ما هو الامر الذي اتى بك الى المحمية في هذا
التوقيت بالذات ؟.. نظر لي وقال .. يجب ان يموت هؤلاء الخونة الذين قامو
بالانقلاب .. ما تقصد ؟ هل تودون اعدامهم؟ هل امر الرئيس بأعدامهم؟ .. لا
.. لم يأمر الرئيس بأعدامهم .. اعتقد ان هناك امرا لا اعلم عنه شيئا.. هل
يعلم سيادة الرئيس انك هنا ؟ اضطرب وارتسمت على وجهه علامات الخوف والهلع
.. وقال لي ان لقائنا هذا سري للغاية ويجب ألا يعرف عنه الرئيس او اي شخص
اخر.. الان انا واثق تماما ان هذا المسمى وزيرا للدفاع قد حكم على نفسه
بالتهلكة .. وعلى يد الرئيس .. ولكن ما الذي يجعله يقدم على شيئا مثل هذا ؟
لماذا تريد قتل هؤلاء الخونة ؟.. قال وقد تغيرت ملامح وجهه للجدية, من
هذا السؤال .. قال لي انه يجب علينا قتلهم حتى يكونو عبرة لمن تسول له
نفسه ان ينقلب على النظام الحاكم ..قلت له من اجل هذا فقط؟ .. قال ماذا
تعني ؟ اعتقد انك لا تدري ما تقول او ما تفعل سيدي الوزير .. يجب عليك ان
تحسن إختيار الاشخاص الذين تحاول تدبير اي صفقة معهم.. فمن الممكن ان يكون
هذا الشخص من إستخبارات الرئيس.. وقد يرسل تقريرا للسيد الرئيس فحواه ان
السيد وزير الدفاع هو المخطط الرئيسي لعملية الانقلاب الفاشلة .. حاول ان
يدافع عن نفسه بالصراخ قائلا انني انسان مريض ومجنون ويجب ان اسجن على
كلامي هذا .. هذا الكلام لم يصدر مني انا .. انه صادر من احد الجنرالات
المحتجزين في الداخل وأشرت له الي البناية التى تحتوى على الخونة بداخلها
.. لم يستطع الجلوس .. تصبب عرقا ..اصبح يدور حول نفسه كانه كلب يحاول
الامساك بزيله.. عد إلى مقرك ولا تذكر انك قابلتني فمن الممكن ان يمنحك
الصمت يوما او بعض يوم مع ابنائك قبل ان يتم القبض عليك.. وتتم اعادتك الى
هنا .. كان صوت الهليكوبتر يبتعد وصوت نغمة جوالي يقترب .. نظرت للشاشة
وأيقنت ان المتصل مهم لدرجة انه لا يوجد رقم على شاشة الجوال يشير الى
هوية المتصل .. فقط جملة واحدة .. رقم خاص.
wedi_ali_jbr@yahoo.com
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق