الثلاثاء، 16 يونيو 2015

دهاليز المعارضة


دهاليز المعارضة

لم يخطئ من يظن ان الخلافات الإرترية إبان مرحلة الكفاح المسلح وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي كانت إرترية بامتياز، والتي عبرت عنها تلك الانشطارات الأميبية للتنظيمات كما كان يصفها الراحل الشهيد أحمد محمد ناصر، وكنا على قناعة تامة أنها تنتهي باتفاق الإرتريين فيما بينهم، ولكن اليوم يخطئ من يظن ان المستقبل الإرتريين يتحقق بإرادة إرتريه فقط،  حيث أضحى الأمر مزيجا من عوامل مركبة داخلية وخارجية تتحرك معا شبرا بشبر لتصنع أزمات وصراعات بين مكونات الوطن الإرتري، بل يمكن القول ان العوامل الذاتية أصبحت في خدمة العوامل الموضوعية، دون أدنى اعتراض فاعل ومؤثر لقوى المعارضة سوى بعض التصريحات الخجولة التي تندرج تحت خانة رفع الحرج.
إن بعض أطراف المعارضة فقدوا جادة الصواب في أسلوبهم وخطاباهم وردود أفعالهم ورفعوا شعار متآمر معي أفضل من وطني شريف ضدي ومن ينظر حال المعارضة الإرترية لن ينتابه إلا الشعور بالحزن على هذا الجسد الميت، فهو مكون من عدد كبير من المسميات، لكنه مجهري في قوته وقدرته وفعاليته.
لم تعد سلطة إسياس اليوم خصمنا الوحيد ولا أيضا مناصريه ومطبليه رافعي شعار “حادي هزبي حادي لبي” بل أن الخصم الحقيقي للمعارضة هم المعارضة ومناصريهم، من قصد أو من  دون قصد،  فكفانا ترديد ما نسمعه من دون أن نعي حقيقة ما يقولون، نعم هناك من بين المعارضة اطارات وروابط حديثة وقديمة وبأسماء منفرة لا تمنح المعارضة إلا مزيد من الاشمئزاز والرجوع إلى مرحلة ما تجاوزناه في أربعينيات القرن الماضي، والابتعاد عن الساحة من أجل الوطن والشعب إن كان للوطن نصيب في قلوبهم.
لم نتفق أو نتحد يوما بكل صدق على هدف واحد مما  أتاح الفرصة للسلطة الجائرة الوقوف على أرضية تمكنها من العبث بكرامة الأرض والشعب، فقد اختلطت الأهداف وأصبح لكل مجموعة منتمية إلى جسد المعارضة هدف، بل ولكل شخص هدف حتى دبت الخلافات الأميبية “كما كان يقول الشهيد أحمد ناصر في جسد المعارضة الأمر الذي أدى إلى تقديم الانتصار تلو الانتصار بأطباق من ذهب لسلطة العصابة في أسمرا.
فعن أي معارضة نتحدث ومنهم من ينتظر سماع صفارة التحرك في الزمان والمكان اللذين يخدمان مصالح وأهداف من صنعوهم، ومنهم من ينتظر سماع صفارة التحرك من قادتهم الذين فشل غالبيتهم لقيادة المراحل السابقة، وللأسف لقد بينا أن من دونهم لا وجود لنا، ونتناسى انتقاد ورفض الممارسات الفاسدة من قبل المحسوبين على المعارضة بذريعة أن الوقت غير ملائم وان هذه الانتقادات ستفكك المعارضة المفككة الأصل، بل وذهب البعض إلى أبعد من ذلك من خلال خلق الاعذار لبعض الممارسات اللاوطنية، فأصبحنا نحلل لمعارضتنا ما نحرمه على سلطة الدكتاتور.
لا أود العودة للوراء كثيرا، ولكن بنظرة تأملية سريعة لمسار وصيرورة مستقبل كياننا الوطني تكشف لنا أن العوامل الخارجية ذات التأثير السلبي تقوده الجارة إثيوبيا بكل حنكة وحرفية تخدم مصالحها واستراتيجيتها حيث تمكنت من تطويع وترويض قوى المعارضة دون استخدام عنفا أو قهرا بل برضى أهل الشأن في قوى المعارضة من جهة، وحماقة ونزق نظام العصابة في أسمرا.
إن القوة الحاكمة اليوم في إثيوبيا ومنذ تدخلها السافر في الشأن الإرتري، في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات في تحالف غير مقدس بينها وبين الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وبدعوة تخلو من الحس الوطني من الأخيرة على تنظيم وطني ذو ثقل جماهيري على امتداد إرتريا، قد احسنت قراءة معطيات الواقع الإرتري والإثيوبي وبنت عليه استراتيجيتها التي تخدم مصالحها ولو على حساب تفتيت جارتها، ونلمس تجليات تلك القراءة في ظهور تنظيمات وروابط قومية وطائفية وإقليمية، جلها صناعة إثيوبية، وان تدثر البعض منها بجلباب الدفاع عن الحقوق، فكلها إرتيرية الجسد والمظهر وإثيوبية الروح والهدف، مغطاة بشعارات مضللة تخدم رغباتهم التفتيتية، لأن ما عجز عنه تحقيقه الكل، لا يمكن ان يتحقق بترويض الطائفة والإقليم والقومية على حده.
فالشهيد الرمز حامد إدريس عواتي لم يرفع البندقية باسم القاش أو بركا أو أي اقليم آخر لكون المظالم كانت تقع على مناطق بعينها، بل كان يدرك وبرؤية ثاقبة ان تلك المظالم ستعم كالنار في الهشيم كل أركان الوطن فأعلن الكفاح المسلح من أجل إرتريا بكل مكوناتها الجغرافية والعرقية والطائفية، ومن هنا اكتسب الرمزية الحقة التي لا ينافسه عليها أحد.
فهل يعقل اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرون، لشعب ناضل وسفك دمه معا بكل طوائفه وأعراقه أن تقبل بطروحات ما سمي برابطة أبناء المنخفضات، تحت غطاء استرداد الحقوق بذريعة عمل أحمق ارتكبته أقلية في أحد المكونات الإرتيرية.
يقيني عندما يلجأ الناس إلى النظم المجتمعية القديمة كالطائفية والقبلية والإقليمية فهذا يعني انهيار طموحهم في بناء مؤسسات الدولة الحديثة التي تضمن العدالة الاجتماعية لجميع مكوناتها.
صحيح ان الإقليمية والقبلية شكل من أشكال النظم الاجتماعية القديمة وقد تكون مكونا من مكونات الأمة إلا انها كمنظومة سياسية لشعب متعدد الأعراق والطوائف، تعتبر شكلا بدائيا من أشكال النظم السياسية، لا تستطيع الحياة في عالم اليوم ولا تنتمي إليه بل ستلقى حتفها في سهول المنخفضات.
ان ما يسمى بمبادرة لجمع شمل مجتمع المنخفضات الإرترية، ما هي إلا مبادرة لتفريق المفرق أصلا، وفي بيئة قابلة للتفريق، فلم نسمع أو نقرأ أو نعاصر في مسيرة النضال الإرتري بنضالات منفصلة للمنخفضات الغربية أو الشرقية أو نضالات أهل الساحل أو نضالات منخفضات جنوب شرق إرتريا، أو نضالات المرتفعات أو نضالات المنطقة الوسطى في سنحيت، بل نشأنا تحت مظلة نضال الشعب الإرتيري.
أين نضالات قومية الساهو الذين كان لهم دور بارز وقدح معلا حين تركوا مرتفعاتهم وانخرطوا في بواكير النضال في المنخفضات، ألم يتعرضوا للقتل والتشريد والتنكيل، ولم يشفع لهم موقعهم الجغرافي من ظلم المستعمر وظلم نظام أسمرا، أم ان موقعهم الجغرافي يضعهم في خانة من مارسوا الظلم، وأين نضالات قومية الجبرتا وحقوقهم المسلوبة والظلم الواقع عليهم مع أنهم من المرتفعات، فهل حماهم موقعهم الجغرافي من ظلم الدكتاتور؟.
إن قراءة سريعة لمقدمة بيان الرابطة التي تقدم العمل على المبادئ “اعمل معنا وبعدين نقولك المبادئ” نجدها محشوة بسرد يفتقد إلى الوحدة، فيدخلون قومية العفر ضمن تقسيمهم  الجغرافي ويستثنونهم بمسوغ خصوصيتهم القومية ونمط انتاجهم ولهم خياراتهم وقواهم السياسية، فلماذا لا ينسحب هذا المسوغ على قومية الكوناما لأن لهم خياراتهم وقواهم السياسية، وما الذي يمنع قومية البلين أو النار في أن يكون لها خياراتها وتصنع قواها السياسية إن شاءت، وما الفرق بين نمط  الانتاج في دنكاليا وبقية المنخفضات فكله رعوي باستثناء صيد السمك في نطاق محدود وبشكل بدائي لحجاتهم الشخصية، أما اقحام الدين كرابطة مع مكونات المنخفضات فلا تستقيم مع المعطيات الصحيحة لواقع المنخفضات، حيث ان منخفضات دنكاليا هي المتفردة لعرق واحد ودين واحد وهو الإسلام، أما بقية المنخفضات تتنوع فيها الأعراق والأديان، فأي دين هذا الذي يربط هذا بذاك، فمسيحي الكوناما والبلين والمنسع ليسوا وافدين جدد على المنطقة دينا وعرقا بل هم أسها، فيحق لهم المطالبة بالارتباط مع مكون المرتفعات بحكم رابطة الدين لتنفرط الروابط، فتصبح مبادرة الرابطة دعوة للتفكك وليس لجمع الشمل كما  تزعم الرابطة؟.
لا أحد يشك في وقوع المظالم على مكونات بعينها بصرف النظر عن موقعها الجغرافي، ولكن ما تقوم به أقلية من طرف ضد طرف آخر لا ينبغي أن ينسب إلى الكل، وإنما الانحراف سلوك هذه الأقلية في الطرف الآخر وتمثله مجموعة إسياس منذ أن كانت جنينا في رحم “سلفي ناظنت”، وهو سلوك أقرب إلى خيانة وطن منه إلى كرامة وطن، أظلموا فيه بمساحة كبيرة على قضية وطنية كانت تستحق ان تكون من أولويات قضية المعارضة.
Daraman61@yahoo.com
عبدالقادر قلبوب

ليست هناك تعليقات: