السبت، 6 يونيو 2015

بوادينا..عادات وتقاليد.. أفراح وأتراح..منها الصامد ومنها المقاوم ومنها ما اندثر الحلقة 5


بوادينا..عادات وتقاليد.. أفراح وأتراح..منها الصامد ومنها المقاوم ومنها ما اندثر


 القيم والآداب العامة في أخلاق القرية (5)

الحسين علي كرار
الحلقات نقلاً عن موقع فرجت 
نبدأ بالسلام الذي زكاه الله سبحانه وتعالى في ديننا الحنيف فزكي الله الأنباء (وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين) (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) وقال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على البني يأيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ويقول المسلمون عن الرسل (عليهم السلام) والسلام نختم به صلواتنا الخمسة ونوافلنا في كل يوم وليلة ، ويستقبل به بعضنا البعض ، السلام عليكم ، والرد ، عليكم والسلام ، والسلام عند القرية يكون بالمصافحة باليد وتوضع بعد ذلك فوق الصدر وهو للاحترام والتهذب وإعطاء الأمان ، و عندما يستقبلون الأشخاص الغائبين أو الضيوف المعروفين أو من يكنّون لهم المحبة والاحترام من الأقارب ، يكون السلام للشخص الكبير بالبوص على ظهر الكف الأيمن، وللأعمار الأقل يكون بتبادل البوص المستمر بين الطرفين ذكورا وإناثا ، ومن الطرائف ، فإن جزء كبير من الوقت يهدر في السلام – إكوبام – قهو هليكم – أدهوي بكيتو – مدر إقلو كيدكم – إن شاء الله أمانتو- ولا يملوا من تكرار العبارات المتبادلة فهي من القيم الراسخة ، فإذا تقابل المسافرون في الطريق فإنهم لا ينفكوا بترديد السلام وطلب أخبار الطريق ، وعلى الرغم من أنهم يحملون في أياديهم أنواع العكاكيز والسيوف والحراب والخناجر والدروع ، لأن السلام هو السائد فلا تستخدم ، و تحمل من باب الاحتياط لحماية النفس ، ومن القيم إكرام الضيوف وعلاج المرضى المسافرين في بيوتهم حتى الشفاء ، ومن القيم والأخلاق في الطعام أن الزوجة لا تأكل مع زوجها ولا مع حماتها ، وكذلك الزوج لا يأكل مع حموه ولا نسابته إخوان الزوجة – وقد تكون الحكمة في ذلك إخفاء عيوب الأسنان التي دوخت البشر – كذلك الزوجة لا تكشف وجهها أمام زوجها خاصة في السنوات الأولى من الزواج ولا أمام حموها ولا أمام حماتها ولا ترفع صوتها عليهما , وإن اختلفت مع زوجها وذهبت إلى أهلها فهم في وضع الاحترام ، ويتجنب حموها الجلوس معها أو المجلس التي تجلس فيه ، ومن السلوك والقيم والتقاليد احتقار السارق والزاني والسكران والمدخن ومتناول التمباك ، يعتبرونهم عصاة وفجور ، وخارجين عن قيم القرية فيسخرون منهم و يضطر هؤلاء مغادرة القرية والهروب والضياع، خاصة السارق والزاني والسكران ، ويعتقدون أن الزنا يولد الفقر ، وأن الزاني ستموت ما يملك من المواشي ، وكذلك من العيب في أخلاق القرية فعل الاغتصاب فإذا وجد أحدهم فتاة أو امرأة منفردة في الخلاء أو موارد الماء وانقطع بها السبيل ليلا ، فإنها هي رسالته وأمانته التي تقتضيها شهامته أن يحافظ عليها حتى يسلمها أهلها ، ، حتى في الأفراح والاختلاط فإن البراءة في المجتمع هي السائدة فلا يتحرش بالنساء والفتيات ، فهذه التقاليد هي من شهامة القرية وقيمها ، وكذلك يكرهون أكل الصيد وقتل الغزلان والأرانب والطيور ، ويعيبون على من يأكلها ، اللهم الأطفال الذين يحبون الصيد ولكن يأكلون صيدهم في الخلاء ولا يحملون لحومها إلى أهاليهم ، ومن القيم والأخلاق يعلّمون أطفالهم الشهامة والسلوك القويم من المهد، واحترام الكبار وعدم مجالستهم وملاسنتهم ، ويعلم الطفل من المهد عدم التبول في البرك الراكدة التي يشرب منها الناس فإن ذلك سيعرضهم يوم القيامة للمسائلة بفرز بولهم من الماء بصم الخياط ، كل هذه القيم مصدر النهي فيها الدين ولكنهم يفعلون ذلك دون دراية عن المصادر.
ومن المحظور في القيم والأخلاق في القرية إظهار الحب والتغزل بالفتاة فإن ذلك لا تسمح به القرية فهو من المحرمات , ويعتبر من جرائم الأخلاق التي لا ترضى عنها ، فمن أشهر من أحبوا وتغنوا بالمحبوبة ، ود أمير ، وأجولاي ، ولكن لم يذكرا المحبوبة باسمها ، وكان عامة الناس لم يعرفوا من كانت محبوبة ود أمير ويقول أخونا ود عد أنه ذكر إسمها مرة واحدة بالخطأ عندما قال (أمنة) حين سقط الفانوس ، فأخذ حبه طابع خاص ولم يكن موجها لفتاته باسمها ، لهذا لم يجد سخرية من المجتمع كما لقيها أجولاي ، فهو لم يتناولها باسمها بل كانت معروفة للعامة في المنطقة لأنها كانت زوجته فالتشهير بها عرضه للقتل من أهلها والطرد والكراهية من عشيرته والمجتمع الذي كان يعيش فيه ، واسمه الحقيقي عثمان إدريس وئيرة، (واسم أجولاي أصبح كناية لهما) وسوف أركز عليه كظاهرة اجتماعية رفضها مجتمع القرية، وظاهرة إجتماعية تمرد هو عليها ، فقصة أجولاي أشبه بقصة قيس بن ذريح في الشعر العربي وهو من الشعراء العذريين ، وهو من تغزل بطليقته (لبني) فلبني كانت زوجته فطلقها ثم ندم على ذلك وقال ما قال من الشعر الغزيز في حبها , وهو ما حصل لأجولاي ، ويقال أن من أسباب طلاقهما غيرة الوالدة التي تشعر أن الزوجة خطفت منها ابنها المدلل ، فتعمل على تخليصه منها ، فطلاق أجولاي حسب ما يروى كان السبب المباشر فيه والدته ، فجاء ذات يوم إلى زوجته وهو غاضب ، فقال لها أنت طالق بالثلاثة بلفظ واحد ، فحسب المذهب المالكي يقع طلاق الثلاثة بلفظة واحدة ولا يشترط الطلقات الثلاثة المتفرقات ،فتكون عليه محرمة ولا تحل له إلا بعد زواجها من شخص أخر ثم يطلقها بإرادته وليس للتحليل ، لأن هذا سماه الرسول صلى الله عليه وسلم (بالتيس المستعار) ومن آيات الطلاق في قوله تعالى في سورة النساء (الطلاق مرتان فإمساك بالمعروف أو تسريح بإحسان الآيات 228و 229 سورة البقرة) فحسب نص القرءان الطلقات الثلاثة متفرقات وليست في لفظ واحد ، ولكن بعد الفتوحات الإسلامية لبلاد العراق والشام والفرس ، كثرت الرفاهية وكثر الاستهتار وشراب الخمر والطلاق بلفظ الثلاثة ، ولفظ أنت بائن ، فأستشار عمر بن الخطاب كبار الصحابة ، بأن لفظ الثلاثة في الطلاق يقع به الثلاثة ،حماية للنساء والأعراض والاستهتار بالدين ، فوافقه على هذا الاجتهاد كبار الصحابة ، فأخذ الإمام مالك بهذا الرأي في مذهبه ، وهو ما كان سائدا في جزء كبير من أرتريا ، وهو ما تم تطبيقه على أجولاي في مسجد قرية أب حشيلا وهي من القرى المعروفة في القاش وقد تغنى بها الفنان حامد عبدالله في أغنية شعبية فروسية عندما قال (ولاد أب حشيلا حمس إللوم أورو بللاي قبريوم) فأجولاي بعد طلاقه حاول أن يراجع زوجته ، ولم يكن وقتها شائع في المحاكم ولا في الأعراف الأخذ في القضاء بأيسر الأقوال من المذاهب الفقهية ، فكان ضحية الجمود في الإجتهاد ، ولذا صب جام غضبه على المسجد الذي حصل فيه تأكيد الطلاق بالثلاثة ، عندما قال ( قومات – إيكو – وفينا – أدوق – ليشين إتو- مسجد أب حشيلا) (لا شورة ولا وصية ، فالتبول الحمير في مسجد قرية أب حشيلا) فهذا تمرد وقد استمر في تمرده وكان لأجولاي أبقار ولكنه لم يقم بتطعيمها فماتت الأبقار بالمرض وكان قد ذهب لحمايتها من المرض وكذلك في مسائل الطلاق إلى المشائخ (الفقرا) فأخذ منهم التمائم، ولكن لا رجعت الزوجة ولا سلمت الأبقار ، فصب جام غضبه الشعري على المشايخ وخص بالاسم الشيخ عبد القادر – وهو من المشايخ الأجلاء وله دور كبير في الثورة الارترية وأستشهد له خمسة أبناء متزوجين وأبناء إخوانه في مذبحة واحدة اقترفتها أثيوبيا عام 1967 وكان له مسجد كبير في قرية عد فقه – وشكر الخواجة الذي كان مسئولا وقتها عن التطعيم، فتمائمهم لم تجديه نفعا فقام بشتمهم وهو يتغزل بطليقته (ولت – تا – بنادر ولت – تا – بنادر – كبود قرينا – طبطو ديبو ساتر – فقرا تحللت – شيطان – نوسكا باسر) (بنت البنادر غزيرة الضفائر ، والذي يمسكوا فوقه الساتر ، الفقرا عجزوا ، فأيها الشيطان أنت باسر) ويقول الأخ / سليمان أدم جاء إلى هيكوته وسكن بالقرب من والدهم الشيخ / أدم سليمان ولكنه طرده ، لأنه لم يكن مقبولا في المجتمع لأن ما كان يقوم به من التشهير بطليقته وهي بنت مجتمع وحسب وإساءته إلى المسجد والاستنجاد بالشيطان , كان تمرد مرفوض وغير مقبول في أخلاق القرية ، فرحل عن جوارهم ، ومن شعره (صديرية طلام – وسروال – عيدباي – أنا لبيي نسآ – لفايّا دمأراي) (الصيدرية السودة والسروال الملوّن – أنا قلبي طار مع زمام الدهباي) هذه الأغاني عرضته للضرب ومحاولات الاغتيال من طرف أهلها ، دون منجد له فضربوه وكسرت يده، وثارت الحمية في نفس أخته عندما شاهدت عذاب أخيها فاستنجدت بأهلها وعشيرتها كما قالت خنساء العرب لأخيها.
إن صخرا لتأتم الهدات به كأنه علم في رأسه نار
فقالت أخته وهي تثير الغيرة (حماسين درهوييت – مدور – فره من أدام – إدريس ويرة سوست – حيّت – تو – إت حرب وسلام ) (عشيرة الحماسين الغبش لا تخشي بشر – إدريس ويرة عنده هيبة الأسد في الحرب والسلام) وإدريس ويرة هو والدهما ، ولكن الاستنجاد كان دون أذان صاغية وقد تغنى بشعره الفنان برخت .
فشعره حقيقة ملحمة غنائية فيها الحب الصادق والتمرد على المجتمع ولكنه اندثر بدون تدوين، ربما لحساسية الموضوع ، وكان ختام ونهاية حياته بكاءه المرير عندما يناشد ابنته أمنة ويطلب منها أن تذهب إلى والدتها وتحضر له من دقلها ، والدقل هو ما يعمل في فم الشعر المجدول من دهن الشحم المعطر والمخلوط بنواعم التراب المحروق ، ويعتبر استشوار البوادي لتدلي الشعر ، (وأمنة دفنيني – وأمنة دفنيني – حسبكي هليكو – أبوكي من أنا – إمكي – إندي قيسكي – دقلات – أمتئيني) (يا أمنة أنا حسبك – وهي صيغة رجاء – فإذا كنت أبوكي إذهبي لأمك ، وأحضري لي الدقلات) فكانت نهايته مثل نهاية قيس بن ذريح عندما قال خاتما حياته ببكائه المرير:
بكيت على نفسي بعين غريزة بكاء حزين في الوثاق أسير
ثم الندم على الطلاق المتهور عندما قال :
يقولون لبني فتنة كنت قبلها بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي وأقررت عين الحاسد المتملق

ليست هناك تعليقات: