بين نعيم وجحيم...وطبيب وآخر...
24/02/2015
للغربة محاسنها ومساوئها، فوائدها وعيوبها... نعمها ومصائبها...لها مالها مما يختلف على كيف الأقدار والأشخاص.. والطبائع والصفات...
وأنا من الذين يعشقون تفاصيل الوطن الصغيرة البعيدة التي قد لا يدركها حتى الذين يعيشون في الوطن...ليس لشيء سوى لأنها غارقة في المحلية إلى حد كبير...
ومن محاسن هذه التي يدور محور الحديث عنها...هي أنها تفتح لك عيناً أخرى أكثر اتساعاً وأكبر قدرة على النظر إلى الناس من باب (الحارة) و(الركزة في المواقف) وهكذا...
ومن هؤلاء أذكر امرأة تدخل القلب دون أن تطرق بابه وتقيم في الروح قبل أن تستأذن أحدا...
لها نظرتها التي تستوعب بها كل الناس... وتعاملهم كيفما شاءوا... طبيبة سودانية... لها من اسمها نصيب... لأنها مفعمة بالرقة...لذا كان (شوق) هو الأنسب لها...
مررت بكثير من الشخصيات السودانية التي تمثلنا في أكثر من دولة وأكثر من مؤسسة خارجية...وكثير من الأطباء بشكل خاص الذين يحملون ذات الهوية التي تخصني...ورأيت الكثير من المواقف الشجاعة التي يمثلونها حتى لغير أبناء سحنتهم....ولكنها مختلفة تماماً...ربما لأنها (بت بلد) قبل أن تكون (بت طب) أو لأنها من ذات البلد التي أعشق ترابها (الجزيرة المعطاءة) أو ربما لأني أحببتها لوجه الله قبل أن أعلم عن اكتظاظ عيادتها بالمرضى من شتى الأجناس والبلدان شيئاً...
ليست الدكتورة "شوق عابدين" إلا نموذجاً حياً يثبت أن لأبنائنا وبناتنا القدح المعلى في (الشكرة) كلما ازدانت بخطاهم أرض أخرى...إلا أننا لا نجيد الحفاظ على أشيائنا الجميلة في السودان ...
وإلا لما بلغ عدد الكوادر المهاجرة عشرات الآلاف عند كل شهر...ربما هي الحالة الاقتصادية التي أضافت لنا عجزاً إلى عجزنا وأصبحت (الشماعة)التي نعلق عليها خيباتنا وخساراتنا اللا متناهية...
وبذات المشفى أكثر من طبيب سوداني يبتسم لرؤيته المرضى جميعهم ويعانقه السعوديون بدءاً برجل الأمن مرورا بالفلبينيين وحتى البنغالة والهنود يتبسمون لمروره...
ولكن دعونا نفتح باب إحدى المستشفيات العامة بالخرطوم أو مدني أو أي مدينة أخرى ونقارن بين طبيب هنا وطبيب هنالك الذين يحملون ذات الجنسية وذات الشهادات وذات الخبرة وذات الاسم ربما...
شتان ما بين طريقة تعامل وأخرى وشتان ما بين بيئة وأخرى وشتان ما بين مريض ومريض ومدير ومدير ومرتب ومرتب... وحتى دولة ودولة...
إذن دعوني حتى لا أقلب عليكم المواجع ولا أذكركم بمرارة الواقع وسوئه...أذكركم بأن الطبيب المتخرج حديثاً من أي كلية طب في السودان يتقاضى على أسوا الفروض ما يعادل (17) ألف جنيه سوداني شهرياً، بالإضافة إلى الترحيل و(البدلات) التي يحلم بها الكثير حلماً.... وكم يتقاضى حملة الشهادات العليا في الطب في أكبر المستشفيات الحكومية هناك...؟؟؟
أنا أعلم أن الطب ليس تجارة ولا باب للكسب... ولكن للطبيب حياته والتزاماته ومسؤولياته واحتياجات أبنائه وأهله... لذا إن ضاق ذرعاً بما يتلقى من إهمال وعدم اهتمام من الدولة فمنطقي أن ينعكس ذلك على مهنته ومرضاه بل حتى شفافيته في التعامل في بعض الحالات النادرة...
ربما هو ملف يستحق أن يدار بطريقة أخرى تفتح مجالاً للأخذ والعطاء المباشر مع الأطباء والمرضى والمسؤولين جميعاً...
إلى أن يتم ذلك...
شكراً جميلاً لكل من غادر أرض السودان وأصبح مضرب مثل في الأخلاق والتميز في شتى المجالات..
وشكراً حميماً الدكتورة شوق عابدين...
شكراً لكل شخص عرفته وسعدت لذلك حقاً في حياتي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق